responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 168
هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ لِمَنْ عَسَاهُ يَسْتَغْرِبُ غَلَبَةَ الْفِسْقِ وَالْخُرُوجِ مِنْ دَائِرَةِ الْفَضَائِلِ الْفِطْرِيَّةِ وَالتَّقْلِيدِيَّةِ عَلَى أَكْثَرِهِمْ حَتَّى مُرَاعَاةِ الْقَرَابَةِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ الْمَمْدُوحَيْنِ عِنْدَهُمْ، وَيَسْأَلُ عَنْ سَبَبِهِ، وَجَوَابُهُ: اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَيْ: إِنَّهُمُ اسْتَبْدَلُوا بِآيَاتِ اللهِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ تَوْحِيدِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَعَلَى بَعْثِهِ لِلنَّاسِ، وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَعَلَى الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْهِدَايَةِ، ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَهُوَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعِيشَةِ، وَكَثِيرُهُ عِنْدَ كُبَرَائِهِمْ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنْ أُمَمِ الْحَضَارَةِ، وَمَا عِنْدَ أَغْنَى هَؤُلَاءِ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا وَعَدَ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ لَهُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى الْعُهُودُ وَالْأَيْمَانُ أَوْ مَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا مِنْ كِتَابِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا أَرَادَ حَمْلَ قُرَيْشٍ وَحُلَفَائِهَا عَلَى نَقْضِ عَهْدِ الْحُدَيْبِيَةِ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا اسْتَمَالَهُمْ بِهِ فَأَجَابُوهُ إِلَيْهِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْقَلِيلِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ أَمَدُّوهُمْ بِالْمَالِ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا بَعْدَهُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِلَخْ. وَصَدَّ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا فَيُقَالُ: صَدَّ فُلَانٌ عَنِ الشَّيْءِ صُدُودًا بِمَعْنَى أَعْرَضَ عَنْهُ وَانْصَرَفَ فَلَمْ يَلْوِ عَلَيْهِ، وَمُتَعَدِّيًا فَيُقَالُ: صَدَّهُ عَنْهُ إِذَا صَرَفَهُ وَلَفَتَهُ عَنْهُ وَزَهَّدَهُ فِيهِ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ بِالْقُوَّةِ، وَيَصِحُّ إِرَادَةُ الْمَعْنِيِّينَ هُنَا، أَيْ فَصَدُّوا بِسَبَبِ هَذَا الشِّرَاءِ الْخَسِيسَ، وَأَعْرَضُوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنَ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَصَدُّوا غَيْرَهُمْ وَصَرَفُوهُمْ عَنْهُ أَيْضًا، إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَيْ: إِنَّهُمْ سَاءَ عَمَلُهُمُ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ مِنِ اشْتِرَاءِ
الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ وَالضَّلَالَةِ بِالْهُدَى، وَالصُّدُودُ وَالصَّدُّ عَنْ دِينِ اللهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْحَقِّ.
لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً أَيْ: مِنْ أَجْلِ هَذَا الْكُفْرِ وَالصُّدُودِ، وَالصَّدِّ عَنِ الْإِيمَانِ لَا يَرْعَوْنَ فِي مُؤْمِنٍ يَظْهَرُونَ عَلَيْهِ، وَيَقْدِرُونَ عَلَى الْفَتْكِ بِهِ رَبًّا يُحَرِّمُ الْغَدْرَ، وَلَا قَرَابَةً تَقْتَضِي الْوُدَّ، وَلَا ذِمَّةً تُوجِبُ الْوَفَاءَ اتِّقَاءً لِلذَّمِّ؛ لِأَنَّ ذَنْبَ الْمُؤْمِنِ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ كَوْنُهُ مُؤْمِنًا، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ عَهْدًا، وَلَا يَسْتَحِلُّ غَدْرًا، وَلَا يَقْطَعُ رَحِمًا، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِالظُّهُورِ وَالْغَلَبِ، وَلِأَنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ مُؤْمِنٍ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَذَاكَ خَاصٌّ بِالْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانَ مِنَ الْحُرُوبِ وَالدِّمَاءِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ لِحُدُودِ الْعُهُودِ مِنْ دُونِكُمْ، وَالْبَادِئُونَ لَكُمْ بِالْقِتَالِ كَمَا فَعَلُوا فِيمَا مَضَى، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِيمَا يَأْتِي، وَالْعِلَّةُ فِي اعْتِدَائِهِمْ وَتَجَاوُزِهِمْ هُوَ رُسُوخُهُمْ فِي الشِّرْكِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست