responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 155
أَنَّ لِلصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ شَأْنًا لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، حَتَّى الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا الْمَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَهُوَ أَنَّ تَرْكَهُمَا يُعَدُّ كُفْرًا بِمَعْنَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمِلَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ أَوِ النُّشُوءِ فِيهِ، حَتَّى مَعَ الِاعْتِرَافِ بِحَقِّيَّتِهِ، وَكَوْنِهِمَا مِنْ أَرْكَانِهِ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ تَارِكَهُمَا يُقْتَلُ حَدًّا لَا كُفْرًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَحْدَهَا، وَأَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ وَحَجَّ الْبَيْتِ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لَا يُكَفَّرُ تَارِكُهُمَا إِلَّا إِذَا اسْتَحَلَّ هَذَا التَّرْكَ أَوْ جَحَدَ وُجُوبَهُمَا بَعْدَ الْعِلْمِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، أَيْ: لِأَنَّ الِاسْتِحْلَالَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْضِ الْإِذْعَانِ النَّفْسِيِّ وَالْفِعْلِيِّ، وَهُوَ كُنْهُ الْإِسْلَامِ، وَالْجُحُودَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الِاعْتِقَادِ أَوِ الِاسْتِكْبَارِ عَنْهُ وَهُوَ كُنْهُ الْإِيمَانِ.
وَالْآيَةُ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي مَعْنَاهُمَا لَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَرَكَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ لِكَسَلٍ، أَوْ شَاغِلٍ لَا يُعَدُّ عُذْرًا شَرْعِيًّا، يَكُونُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ، تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ إِذَا لَمْ يَتُبْ عَقِبَ أَوَّلِ فَرِيضَةٍ تَرَكَهَا أَوِ الثَّانِيَةِ إِنْ كَانَتْ تُجْمَعَ مَعَهَا بِأَنْ يُجَدِّدَ إِسْلَامَهُ وَيُصَلِّيهَا، وَلَا يَدُلَّانِ كَذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ حَدًّا كَقَتْلِ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، لَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْطُوقِهِمَا، وَلَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ بِحُجِّيَّتِهِ، فَإِنَّ مَوْضُوعَ كُلٍّ مِنْهُمَا بَيَانُ مَا يُشْتَرَطُ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارِبِينَ، لَا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ الْإِسْلَامِ، وَمَا يُنَافِيهِ وَيُعَدُّ ارْتِدَادًا عَنْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ عَامٌّ فِي قِتَالِ كُلِّ الْكُفَّارِ، لَا فِي الْمُشْرِكِينَ كَالْآيَةِ. قُلْتُ: أَوَّلًا: إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ غَايَةً أُخْرَى غَيْرَ هَذِهِ الْغَايَةِ الْعَامَّةِ، وَهِيَ إِعْطَاءُ الْجِزْيَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ نَاسِخَةً، وَلَا مُخَصِّصَةً لِلْآيَةِ لِاخْتِلَافِ مَوْرِدِهِمَا، وَهَذَا يُعَارِضُ عُمُومَ الْحَدِيثِ، فَيَتَرَجَّحُ حَمْلُهُ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَالْآيَةِ، لِيَكُونَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا مُحْكَمًا، وَكَانَ مِنْ فِقْهِ الْبُخَارِيِّ فِي أَبْوَابِ
صَحِيحِهِ إِيرَادُهُ تَابِعًا لِلْآيَةِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ.
ثَانِيًا: إِنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَارِدٌ فِي بَيَانِ الْغَايَةِ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا قِتَالُ مَنْ يُقَاتِلُنَا مِنَ الْكُفَّارِ. فَلَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ بَيَانُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُؤْمِنُ كَافِرًا.
ثَالِثًا: إِنَّ قِتَالَ الْكَافِرِينَ غَيْرُ قَتْلِ مَنْ عَسَاهُ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُدَقِّقِينَ، فَالْقِتَالُ فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ، وَالْقَتْلُ الشَّرْعِيُّ تَنْفِيذُ حُكْمٍ عَلَى مُجْرِمٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ.
رَابِعًا: مَنْ أَرَادَ جَعْلَ هَذَا الْحَدِيثِ دَالًّا عَلَى غَيْرِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ مَنْ حُكْمِ رِدَّةٍ أَوْ حَدٍّ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ، يُرَدُّ عَلَيْهِ إِعْلَالُهُ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ عَنْ دَرَجَةِ الصِّحَّةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا مِثْلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْعَظِيمَةِ الشَّأْنِ، وَهُوَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مِنَ الْغَرَابَةِ الْمُضَاعَفَةِ مَا اسْتَغْرَبَ مَعَهُ بَعْضُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 155
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست