responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 154
(4: 17) إِلَخْ. فَمَنْ تَرَكَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ لِبَعْضِ الشَّوَاغِلِ، وَهُوَ يَسْتَشْعِرُ أَنَّهُ مُذْنِبٌ وَيَرْجُو مَغْفِرَةَ اللهِ تَعَالَى وَيَنْوِي الْقَضَاءَ، لَا يَكُونُ تَرْكُهُ هَذَا مُنَافِيًا لِإِذْعَانِهِ النَّفْسِيِّ لِأَصْلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْإِيمَانُ الْيَقِينِيُّ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجَاءُ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ يُعَدُّ مِنَ الْغُرُورِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ قَرِيبًا. وَأَمَّا عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ وَأَوَامِرِهِ، وَعَدَمُ الِانْتِهَاءِ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ مِنْ نَوَاهِيهِ - فَإِنَّهُ يُنَافِي الْإِذْعَانَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُعْقَلُ إِيمَانٌ صَحِيحٌ بِغَيْرِ إِسْلَامٍ، وَلَا إِسْلَامٌ صَحِيحٌ
ظَاهِرُهُ كَبَاطِنِهِ بِدُونِ إِيمَانٍ، فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ فِي حَالِ الْإِمْكَانِ، فَمَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَأَبَى أَنْ يَلْتَزِمَ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ، وَتَرْكَ مُحَرَّمَاتِهِ الْقَطْعِيَّةَ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِإِسْلَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصَرِّحْ، وَلَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ مُخَادِعٌ قَطْعًا، وَقَدْ يُظْهِرُ الْقِيَامَ بِبَعْضِهَا نِفَاقًا، كَمَا ثَبَتَ عَنْ بَعْضِ الْإِفْرِنْجِ السِّيَاسِيِّنَ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ لِدُخُولِ الْحِجَازِ أَوِ اخْتِبَارِ الْمُسْلِمِينَ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنِ اشْتِرَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ لِلْكَفِّ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ، وَظُهُورِ الْحُجَّةِ هِيَ تَحَقُّقُ الدُّخُولِ فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ عَنِ الشِّرْكِ وَحْدَهَا وَهِيَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ لَا تَكْفِي لِتَأْمِينِهِمْ، وَإِبَاحَةِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْحَجِّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تَثْبُتُ لِمَنْ يُقِيمُ فِي الْحِجَازِ وَسَائِرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْبِيرُ عَنْ هَذِهِ التَّوْبَةِ بِالنُّطْقِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ أَوِ الشَّهَادَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا كَافِيًا فِي مَوْقِفِ الْقِتَالِ لِلْكَفِّ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَلَكِنَّهُ لَا يَكْفِي بَعْدَ ذَلِكَ لِمُعَامَلَةِ مَنْ يَنْطِقُ بِهِمَا مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ بَلْ لَا بُدَّ مِنِ الْتِزَامِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَإِقَامَةِ شَعَائِرِهِ فَمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ الْأُولَى لِمَنْ كَانَ صَادِقًا فِي النُّطْقِ بِهَا تَرْكُ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى مِنْ دُعَاءٍ أَوْ ذَبِيحَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ طَاعَةُ الرَّسُولِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللهِ تَعَالَى، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْعَمَلُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الشَّهَادَتَانِ مُؤَيِّدًا لَهُمَا كَانَتَا خِدَاعًا وَغِشًّا، وَلَمَّا كَانَتْ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ الْقَطْعِيَّةُ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ كَثِيرَةً، وَكَانَ الْكَثِيرُ بِاشْتِرَاطِ الرُّكْنَيْنِ الْأَعْظَمَيْنِ، وَهُمَا الصَّلَاةُ الَّتِي تَجِبُ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهِيَ الرَّابِطَةُ الدِّينِيَّةُ الرُّوحِيَّةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالزَّكَاةُ وَهِيَ الرَّابِطَةُ الْمَالِيَّةُ السِّيَاسِيَّةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ، وَمَنْ أَقَامَهُمَا كَانَ أَجْدَرَ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِمَا.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ قَبِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُسْلِمَ وَيُصَلِّيَ وَيُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَامْتَنَعَ مِنَ الْإِذْعَانِ لِصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ لَا يُعْتَدُّ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا،
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَا يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ قَطْعًا، فَالنَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَقْبَلْ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ مَا شَرَطَهُ فِي إِسْلَامِهِ مِنْ إِبَاحَةِ الزِّنَا لَهُ، وَإِنَّ بَيْنَ اسْتِبَاحَةِ الذَّنْبِ، وَعَدَمِ الْإِذْعَانِ لِحُكْمِ اللهِ فِيهِ، وَبَيْنَ فِعْلِهِ مَعَ الْإِذْعَانِ وَالْإِيمَانِ فَرْقًا وَاضِحًا وَبَوْنًا بَيِّنًا، وَلَكِنْ ذَهَبَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ إِلَى

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست