responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 63
وَيَنْتَقِمَ لِلْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ، وَالْجَزَاءُ بِالْعَدْلِ مُخِيفٌ لِأَكْثَرِ النَّاسِ بَلْ لِجَمِيعِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَيُقَصِّرُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ وَلِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِهِ وَلِوَلَدِهِ بَلْهَ مَنْ دُونَهُمْ حَقًّا عَلَيْهِ وَمَكَانَةً عِنْدَهُ، وَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَغْلِبَ الْخَوْفُ عَلَى الرَّجَاءِ فِي
قُلُوبِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ سُبْحَانَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِاسْمَيْنِ لَا بَاسِمٍ وَاحِدٍ: اسْمِ الرَّحْمَنِ الدَّالِّ عَلَى مُنْتَهَى الْكَمَالِ فِي اتِّصَافِهِ بِهَا، وَاسْمِ الرَّحِيمِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِالْحَقِّ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (4: 29) ، (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (33: 34) وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ ضَمَمْنَا فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى مَا قَالَهُ شَيْخُنَا رَحِمَهُمَا اللهُ.
وَأَمَّا دَلَالَةُ صِفَتَيِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ الْإِلَهِيَّةِ فَظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ رَبَّ الْعِبَادِ هُوَ الَّذِي يُسْدِي إِلَيْهِمْ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِخَلْقِهِمْ وَرِزْقِهِمْ وَتَدْبِيرِ شُئُونِهِمْ مِنْ فِعْلٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى كَالْخَالِقِ الْبَارِئِ الْمُصَوِّرِ الْقَهَّارِ الْوَهَّابِ الرَّزَّاقِ الْفَتَّاحِ الْقَابِضِ الْبَاسِطِ الْخَافِضِ الرَّافِعِ الْمُعِزِّ الْمُذِلِّ الْحَكَمِ الْعَدْلِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ الْحَلِيمِ الرَّقِيبِ الْمُقِيتِ الْبَاعِثِ الشَّهِيدِ الْمُحْصِي الْمُبْدِئِ الْمُعِيدِ الْمَحْيِي الْمُمِيتِ الْمُقَدِّمِ الْمُؤَخَّرِ الْمُغْنِي الْمَانِعِ الضَّارِّ النَّافِعِ وَأَمْثَالِهَا. وَالرَّحْمَنُ فِي ذَاتِهِ الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَوَّابًا غَفُورًا عَفُوًّا رَءُوفًا شَكُورًا حَلِيمًا وَهَّابًا.
إِذَا عَلِمْنَا هَذَا تَجَلَّتْ لَنَا حِكْمَةُ وَصْفِ اللهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ الدَّالَّتَيْنِ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ دُونَ الْحَيَاةِ وَالُقَيُّومِيَّةِ الدَّالَّتَيْنِ عَلَى صِفَاتِ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ - وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ - أَنَّ الْفَاتِحَةَ يُنْظَرُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) : مَا دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُهَا هَذَا؛ أَعْنِي كَوْنَهَا فَاتِحَةً وَمَبْدَأً لِلْقُرْآنِ (وَثَانِيهُمَا) : أَنَّهَا قَدْ شُرِعَتْ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلَّ يَوْمٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنَاسِبُهُ الْبَدْءُ بِذِكْرِ رُبُوبِيَّةِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ.
ذَلِكَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ اللهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) (2: 2 - 3) إِلَخْ. الْآيَاتِ. فَهُمُ الَّذِينَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَدَبَّرُونَهُ وَيَتَّعِظُونَ بِهِ، وَهُمُ (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (21: 49) فَالْمُنَاسِبُ فِي حَقِّهِمْ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ الْأُولَى وَهِيَ الْمَثَانِي الَّتِي يُثَنُّونَهَا دَائِمًا فِي صَلَاتِهِمْ وَفِي بَدْءِ أَوْرَادِهِمُ الْقُرْآنِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْخَتَمَاتِ مَبْدُوءَةً بِذِكْرِ الصِّفَتَيْنِ الْجَامِعَتَيْنِ لِمَعَانِي الصِّفَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِتَدْبِيرِ اللهِ سُبْحَانَهُ لِشُئُونِهِمْ، وَبِعَدْلِهِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَصِمُونَ فِيهِ، وَبِمُجَازَاتِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَبِرَحْمَتِهِ لَهُمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمُ
الدَّالَّتَيْنِ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ شُكْرِهِ وَتَخْصِيصِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فِي طَلَبِ كَمَالِ الْهِدَايَةِ، وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ هُمَا الرُّبُوبِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ.
فَبَدْءُ فَاتِحَةِ الْقُرْآنِ بِذِكْرِهِمَا فِي الْبَسْمَلَةِ ثُمَّ أَثْنَاءَ السُّورَةِ مُرْشِدٌ لِمَا ذُكِرَ، مُذَكِّرٌ لِلْمُصَلِّي وَلِلتَّالِي بِهِ. وَكَذَا بَدْءُ كُلِّ سُورَةٍ بِالْبَسْمَلَةِ الَّتِي لَمْ يُوصَفِ اسْمُ الذَّاتِ (اللهُ) فِيهَا بِغَيْرِ الرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ، هُوَ إِعْلَامٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ، كَمَا قَالَ مُخَاطِبًا لِمَنْ أَنْزَلَهُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 63
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست