responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 55
هَذَا الْمَعْنَى فِي الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ تَجِدُهُ وَاضِحًا - قَسَّمْتَ أَحْكَامَ الْأَعْمَالِ إِلَى: وَاجِبٍ، وَمَنْدُوبٍ، وَمُبَاحٍ، وَمُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ، فَكَانَ هَذَا مُرِيحًا لَنَا مِنْ تَمْيِيزِ الْخَيْرِ مِنَ الشَّرِّ بِأَنْفُسِنَا وَاجْتِهَادِنَا، فَبَيَانُ الْأَحْكَامِ بِالْهِدَايَةِ الْكُبْرَى
وَهِيَ الدِّينُ كَالطَّرِيقِ الْوَاضِحِ يُسْلَكُ بِالْعَمَلِ. وَمَعَ هَذَا تَجِدُ الشَّهَوَاتِ تَتَلَاعَبُ بِالْأَحْكَامِ وَتُرْجِعُهَا إِلَى أَهْوَائِهَا كَمَا يَصْرِفُ السُّفَهَاءُ عُقُولَهُمْ وَحَوَاسَّهُمْ فِيمَا يُرْدِيهِمْ. وَهَذَا التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ إِنَّمَا يَصْدُرُ مِنْ عُلَمَائِهِ. وَضَرَبَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ لِذَلِكَ مَثَلًا أَحَدَ الشُّيُوخِ الْمُتَفَقِّهِينَ، سَرَقَ كِتَابًا مِنْ وَقْفِ أَحَدِ الْأَرْوِقَةِ فِي الْأَزْهَرِ مُسْتَحِلًّا لَهُ بِحُجَّةِ أَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْكِتَابِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ قَدْ يَفُوتُ النَّفْعُ بِبَقَائِهِ فِي الرِّوَاقِ حَيْثُ وَضَعَهُ الْوَاقِفُ، إِذْ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَنْ يَفْهَمُهُ مِثْلَهُ بِزَعْمِهِ! ! وَاسْتِحْلَالُ الْمُحَرَّمَاتِ بِمِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْإِنْسَانُ مُحْتَاجًا أَشَدَّ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ الْخَاصَّةِ لِأَجْلِ الِاسْتِقَامَةِ وَالسَّيْرِ فِي تِلْكَ الْهِدَايَاتِ الْأَرْبَعِ سَيْرًا مُسْتَقِيمًا يُوَصِّلُ إِلَى السَّعَادَةِ. لِهَذَا نَبَّهْنَا اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ أَنْ نَلْجَأَ إِلَيْهِ، وَنَسْأَلَهُ الْهِدَايَةَ لِيَكُونَ عَوْنًا لَنَا يَنْصُرَنَا عَلَى أَهْوَائِنَا وَشَهَوَاتِنَا، وَأَنْ تَكُونَ اسْتِعَانَتُنَا فِي ذَلِكَ بِهِ لَا بِسِوَاهُ، بَعْدَ أَنْ نَبْذُلَ مَا نَسْتَطِيعُ مِنَ الْفِكْرِ وَالْجِهَادِ فِي مَعْرِفَةِ مَا أُنْزِلُ إِلَيْنَا مِنَ الشَّرِيعَةِ وَالْأَحْكَامِ وَأَخْذِ أَنْفُسِنَا بِمَا نَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا أَفْضَلُ مَا نَطْلُبُ فِيهِ الْمَعُونَةَ مِنْهُ جَلَّ شَأْنُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَهُوَ بِهَذِهِ الْآيَةِ يُعَلِّمُنَا كَيْفَ نَسْتَعِينُ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَنَا اخْتِصَاصَهُ بِالِاسْتِعَانَةِ فِي قَوْلِهِ: " وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ".
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (قَالَ الْأُسْتَاذُ) : الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: هُوَ الطَّرِيقُ الْمُوَصِّلُ إِلَى الْحَقِّ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى مَا بَيَّنَهُ بِذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي نَحْوِ سُورَةِ الْعَصْرِ وَإِنَّمَا بَيَّنَهُ بِإِضَافَتِهِ إِلَى مَنْ سَلَكَ هَذَا الصِّرَاطَ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ الْفَاتِحَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى إِجْمَالِ مَا فُصِّلَ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى مِنَ الْأَخْبَارِ، الَّتِي هِيَ مِثْلُ الذِّكْرَى وَالِاعْتِبَارِ، وَيَنْبُوعُ الْعِظَةِ وَالِاسْتِبْصَارِ، وَأَخْبَارُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا تَنْطَوِي فِي إِجْمَالِ هَذِهِ الْآيَةِ.
(قَالَ) : فَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ، وَالْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ: بِالْيَهُودِ، وَالضَّالِّينَ بِالنَّصَارَى، وَنَحْنُ نَقُولُ إِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَرَبَّى فِي حِجْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَوَّلُ مَنْ
آمَنَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَوَّلَ سُورَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ (كَمَا مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَةِ)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست