responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 56
وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ نُزُولِ الْوَحْيِ بِحَيْثُ يَطْلُبُ الِاهْتِدَاءَ بِهُدَاهُمْ، وَمَا هُدَاهُمْ إِلَّا مِنَ الْوَحْيِ ثُمَّ هُمُ الْمَأْمُورُونَ بِأَنْ يَسْأَلُوا اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ هَذِهِ السَّبِيلَ، سَبِيلَ مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَأُولَئِكَ غَيْرُهُمْ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَذَا مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ " وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيَّيْنِ وَالصَّدِيقَيْنِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. فَقَدْ أَحَالَ عَلَى مَعْلُومٍ أَجْمَلَهُ فِي الْفَاتِحَةِ وَفَصَّلَهُ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْقُرْآنِ تَقْرِيبًا قَصَصٌ. وَتَوْجِيهٌ لِلْأَنْظَارِ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ، فِي كُفْرِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ، وَشَقَاوَتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ، وَلَا شَيْءَ يَهْدِي الْإِنْسَانَ كَالْمَثُلَاتِ وَالْوَقَائِعِ. فَإِذَا امْتَثَلْنَا الْأَمْرَ وَالْإِرْشَادَ، وَنَظَرْنَا فِي أَحْوَالِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَأَسْبَابِ عِلْمِهِمْ وَجَهْلِهِمْ، وَقُوَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ، وَعِزِّهِمْ وَذُلِّهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْأُمَمِ - كَانَ لِهَذَا النَّظَرِ أَثَرٌ فِي نُفُوسِنَا يَحْمِلُنَا عَلَى حُسْنِ الْأُسْوَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَخْبَارِ تِلْكَ الْأُمَمِ فِيمَا كَانَ سَبَبَ السَّعَادَةِ وَالتَّمَكُّنِ فِي الْأَرْضِ، وَاجْتِنَابِ مَا كَانَ سَبَبَ الشَّقَاوَةِ أَوِ الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ. وَمِنْ هُنَا يَنْجَلِي لِلْعَاقِلِ شَأْنُ عِلْمِ التَّارِيخِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالثَّمَرَاتِ، وَتَأْخُذُهُ الدَّهْشَةُ وَالْحَيْرَةُ إِذَا سَمِعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ رِجَالِ الدِّينِ مِنْ أُمَّةٍ هَذَا كِتَابُهَا يُعَادُونَ التَّارِيخَ بِاسْمِ الدِّينِ وَيَرْغَبُونَ عَنْهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ. وَكَيْفَ لَا يُدْهَشُ وَيَحَارُ وَالْقُرْآنُ يُنَادِي بِأَنَّ مَعْرِفَةَ أَحْوَالِ الْأُمَمِ مِنْ أَهَمِّ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ هَذَا الدِّينُ؟ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ) (13: 6) .
وَهَاهُنَا سُؤَالٌ وَهُوَ: كَيْفَ يَأْمُرُنَا اللهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ صِرَاطِ مَنْ تَقَدَّمَنَا وَعِنْدَنَا أَحْكَامٌ وَإِرْشَادَاتٌ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ، وَبِذَلِكَ كَانَتْ شَرِيعَتُنَا أَكْمَلَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ، وَأَصْلَحَ لِزَمَانِنَا وَمَا بَعْدَهُ؟ وَالْقُرْآنُ يُبَيِّنُ لَنَا الْجَوَابَ وَهُوَ أَنَّهُ يُصَرِّحُ بِأَنَّ دِينَ اللهِ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِالْفُرُوعِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا الْأُصُولُ فَلَا خِلَافَ فِيهَا. قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) (3: 64) الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) (4: 163) الْآيَةَ. فَالْإِيمَانُ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَرْكُ الشَّرِّ وَعَمَلُ الْبِرِّ،
وَالتَّخَلُّقُ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ مُسْتَوٍ فِي الْجَمِيعِ. وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ بِالنَّظَرِ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ وَالِاعْتِبَارِ بِمَا صَارُوا إِلَيْهِ: لِنَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي الْقِيَامِ عَلَى أُصُولِ الْخَيْرِ. وَهُوَ أَمْرٌ يَتَضَمَّنُ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ الْخَيْرَ وَالسَّعَادَةَ. عَلَى حَسَبِ طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ فِي قَرْنِ الدَّلِيلِ بِالْمَدْلُولِ وَالْعِلَّةِ بِالْمَعْلُولِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ. وَتَفْصِيلُ الْأَحْكَامِ الَّتِي هَذِهِ كُلِّيَّاتُهَا بِالْإِجْمَالِ، نَعْرِفُهُ مِنْ شَرْعِنَا وَهَدْيِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اهـ بِتَفْصِيلٍ وَإِيضَاحٍ. وَأَزِيدُ هُنَا أَنَّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ضُرُوبِ الْهِدَايَةِ مَا قَدْ يُعَدُّ مِنَ الْأُصُولِ الْخَاصَّةِ بِالْإِسْلَامِ، وَيَرَى أَنَّهُ مِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، كَبِنَاءِ الْعَقَائِدِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ، وَبِنَاءِ الْأَحْكَامِ الْأَدَبِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ وَالْمَفَاسِدِ، وَكَبَيَانِ أَنَّ لِلْكَوْنِ سُنَنًا مُطَّرِدَةً تَجْرِي عَلَيْهِ عَوَالِمُهُ الْعَاقِلَةُ وَغَيْرُ الْعَاقِلَةِ، وَكَالْحَثِّ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 56
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست