responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 381
وَيَثُوبُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ فِي صَلَاتِهِمْ وَإِنْ بَعُدَ الْمَكَانُ، وَلَا يُخْشَى عَلَى الْمُؤْمِنِ تَوَهُّمُ الْحُلُولِ فِي ذَاتِ اللهِ بِنِسْبَةِ الْبَيْتِ إِلَيْهِ بَعْدَ مَا نَفَى سُبْحَانَهُ كُلَّ إِيهَامٍ بِقَوْلِهِ: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (2: 115) .
أَقُولُ: وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا كَوْنُ السَّمَاءِ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ لِإِشْعَارِهَا بِعُلُوِّهِ - تَعَالَى - عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) يُؤَيِّدُ مَا رَجَّحَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مِنْ جَعْلِ الْمُصَلَّى بِالْمَعْنَى الْعَامِّ أَيِ الْمَعْبَدِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَمْرِ النَّاسِ بِاتِّخَاذِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى بَيَّنَ لَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ طَهَّرَاهُ بِأَمْرِهِ لِأَدَاءِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِيهِ كَالطَّوَافِ، وَفِي مَعْنَاهُ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْعُكُوفِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) جَمْعُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ مَأْمُورًا هُوَ وَمَنْ آمَنَ بِهِ بِهَذِهِ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَنَا.
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) هَذِهِ الْآيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ مِنَّةٍ أَوْ مِنَنٍ أُخْرَى عَلَى أَهْلِ الْحَرَمِ، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَهُ دُعَاءُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ جَعْلِ الْبَلَدِ آمِنًا فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا سَبَقَتْ بِهِ الْمِنَّةُ مِنْ جَعْلِ الْبَيْتِ آمِنًا. وَقَدْ فَسَّرَ الْجَلَالُ (أَمْنًا) بِقَوْلِهِ: ذَا أَمْنٍ: مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا مِنَ الْأَعْدَاءِ الَّذِينَ يَقْصِدُونَهُ بِالسُّوءِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْنَى كَوْنِهِ ذَا أَمْنٍ، أَيْ أَنَّ مَنْ يَكُونُ فِيهِ يَكُونُ آمِنًا
مِمَّنْ يَسْطُو عَلَيْهِ فَيَظْلِمُهُ أَوْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ. وَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَ إِبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى الْبَيْتِ لَمْ يَطُلْ زَمَنُ تَعَدِّيهِ بِحَيْثُ يُقَالُ: إِنَّهُ قَدْ مَرَّ زَمَنٌ طَوِيلٌ لَمْ يَكُنِ الْبَيْتُ فِيهِ آمِنًا، بَلْ لَمْ يَنْجَحْ أَحَدٌ تَعَدَّى عَلَيْهِ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّعَدِّي الْقَصِيرُ هُوَ التَّعَدِّي الْعَارِضُ عَلَى بَعْضِ مَنِ اعْتَصَمَ فِيهِ (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فَسَّرَ (الْجَلَالُ) الرِّزْقَ مِنَ الثَّمَرَاتِ بِنَقْلِ جِبْرِيلَ الطَّائِفَ مِنْ حَوْرَانَ فِي بِلَادِ الشَّامِ أَوْ فِلَسْطِينَ إِلَى مَكَانِهِ الْآنَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ، مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَيْتِ وَبَلَدِهِ مَكَّةَ لَا فِي الطَّائِفِ. وَرِزْقُ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ مِنَ الثَّمَرَاتِ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالِاخْتِبَارِ الْمُصَدِّقَيْنِ لِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ بِقَوْلِهِ: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) (28: 57) فَالثَّمَرَاتُ تُجْبَى وَتُجْمَعُ مِنْ حَيْثُ تَكُونُ وَتُسَاقُ إِلَى مَكَّةَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنَ الطَّائِفِ أَوْ مِنَ الشَّامِ أَوْ مِصْرَ أَوِ الرُّومِ مَثَلًا، وَكَوْنُهَا تُجْمَعُ مِنْ أَقْطَارٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَظْهَرُ فِي صِدْقِ الْآيَةِ وَأَدَلُّ عَلَى التَّسْخِيرِ. وَحَدِيثُ نَقْلِ الطَّائِفِ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنَّهُمْ أَلْصَقُوهُ بِكِتَابِ اللهِ وَجَعَلُوهُ تَفْسِيرًا لَهُ وَهُوَ بَرِئٌ مِنْهُ وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي صِدْقِهِ إِلَيْهِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 381
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست