responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 366
عَلَيْهِ مِنَ التَّقَالِيدِ وَالْأَهْوَاءِ الَّتِي غَيَّرُوا بِهَا وَجْهَ الدِّينِ الْوَاحِدِ حَتَّى صَارَ بَعْضُهُمْ يَحْكُمُ بِكُفْرِ بَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ.
ثُمَّ أَمَرَهُ - تَعَالَى - فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى) أَيِ اجْهَرْ بِقَوْلِ الْحَقِّ.
وَهُوَ أَنَّ الْهُدَى الصَّحِيحَ هُوَ هُدَى اللهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ دُونَ مَا أَضَافَهُ إِلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِآرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، فَفَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ شِيعَةٍ تُكَفِّرُ الْأُخْرَى وَتَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى شَيْءٍ، أَيْ فَإِنْ أَرَدْتَ اسْتِرْضَاءَهُمْ فَلَنْ يَرْضُوا عَنْكَ إِلَّا أَنْ تَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) الَّتِي أَضَافُوهَا عَلَى كُتُبِهِمْ، وَجَعَلُوهَا أُصُولًا وَفُرُوعًا لِدِينِهِمْ، (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) الْيَقِينِ بِالْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ الْمُبِينِ، وَالَّذِي بَيَّنَ مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ تَحْوِيلِ الْقَوْلِ عَنْ مَعْنَاهُ بِالتَّأْوِيلِ، وَتَحْرِيفِهِمُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، (مَالَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) أَيْ فَإِنَّكَ لَنْ تَنْجَحَ وَلَنْ تَصِلَ إِلَى حَقِّكَ بِمُجَارَاتِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ؛ وَلِأَنَّ اللهَ لَا يَنْصُرُكَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ لَا يُرْضِيهِ أَنْ يَكُونَ اتِّبَاعُ الْهَوَى طَرِيقًا إِلَى الْهُدَى، وَالضَّالُّ لَا يُرْضِيهِ إِلَّا مُوَافَقَتُهُ عَلَى ضَلَالِهِ وَمُجَارَاتُهُ عَلَى فَسَادِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ اللهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى شُئُونَكَ وَيَنْصُرُكَ بِمَعُونَتِهِ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكَ وَيَتَوَلَّاكَ مِنْ بَعْدِهِ؟
(أَقُولُ) : وَمَفْهُومُ هَذَا الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى، أَنَّ ثَبَاتَهُ عَلَى هُدَى اللهِ الْمُؤَيَّدِ بِالْعِلْمِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِتَوَلِّيهِ - تَعَالَى - لَهُ وَنَصْرِهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ شَرْطَ ((إِنْ)) لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ، فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ أَهْوَائِهِمْ مُتَوَقَّعٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْضٌ فُرِضَ لِبَيَانِ مَضْمُونِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَفِيهِ أَنَّ مِنْ سُنَنِ اللهِ تَأْيِيدُ مُتَّبِعِي الْهُدَى عَلَى عِلْمٍ صَحِيحٍ وَأَنَّهُمْ هُمُ الْغَالِبُونَ الْمَنْصُورُونَ، وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ عُلَمَاءُ الِاجْتِمَاعِ بِبَقَاءِ الْأَمْثَلِ فِي كُلِّ تَنَازُعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا دُونَهُ.
(الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : مَنْ تَدَبَّرَ هَذَا الْإِنْذَارَ الشَّدِيدَ الْمُوَجَّهَ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - إِلَى نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، الْمُؤَيَّدِ مِنْهُ بِالْكَرَامَةِ وَالْعِصْمَةِ، عَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَعِيدُ وَالتَّشْدِيدُ عَلَى الْأُمَّةِ، عَلَى حَدِّ ((إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ)) فَإِنَّ اللهَ - تَعَالَى - يُخَاطِبُ النَّاسَ كَافَّةً فِي شَخْصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا جَرَى عُرْفُ التَّخَاطُبِ مَعَ الرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ، فَقَدْ يُقَالُ لِلْمَلِكِ: إِذَا فَعَلْتَ هَذَا كَانَتْ عَاقِبَتُهُ كَذَا، وَالْمُرَادُ إِذَا فَعَلَتْهُ دَوْلَتُكَ أَوْ أُمَّتُكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ إِسْنَادُ عَمَلِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ إِلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)
وَهُوَ يَعْلَمُ جَلَّ شَأْنُهُ أَنَّهُ لَا يَتَّبِعُ أَهْوَاءَهُمْ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَقَدْ عَصَمَهُ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، إِنَّمَا جَاءَ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ؛ لِيُرْشِدَ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِمَّنْ يَتَّبِعُ سُنَّتَهُ وَيَأْخُذُ بِهَدْيِهِ، فَهُوَ يُرْشِدُنَا بِهَذَا التَّهْدِيدِ الْعَظِيمِ إِلَى الصَّدْعِ بِالْحَقِّ وَالِانْتِصَارِ لَهُ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَنْ يُخَالِفُهُ، مَهْمَا قَوِيَ حِزْبُهُمْ وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ، وَإِنَّهُ لَتَهْدِيدٌ تَرْتَعِدُ مِنْهُ فَرَائِصُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 366
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست