responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 340
كَانَ الرَّسُولُ رَسُولًا تَجِبُ طَاعَتُهُ وَالْاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ، فَمَا هَذَا الْأَدَبُ الَّذِي يُقَابِلُهُ بِهِ الْأَكْثَرُونَ؟ إِنَّهُمْ يَلْغَطُونَ فِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ، فَلَا يَسْتَمِعُونَ وَلَا يُنْصِتُونَ، وَمَنْ أَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ فَإِنَّمَا يُنْصِتُ طَرَبًا بِالصَّوْتِ وَاسْتِلْذَاذًا بِتَوْقِيعِ نَغَمَاتِ الْقَارِئِ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ فِي اسْتِحْسَانِ ذَلِكَ وَاسْتَجَادَتِهِ مَا يَقُولُونَهُ فِي مَجَالِسِ الْغِنَاءِ، وَيَهْتَزُّونَ لِلتِّلَاوَةِ وَيُصَوِّتُونَ بِأَصْوَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، كَمَا يَفْعَلُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْغِنَاءِ بِلَا فَرْقٍ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ إِلَّا مَا يَرَوْنَهُ مَدْعَاةً لِسُرُورِهِمْ فِي مِثْلِ قِصَّةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ الْغَفْلَةِ عَمَّا فِيهَا مِنَ الْعِبْرَةِ وَإِعْلَاءِ شَأْنِ الْفَضِيلَةِ وَلَا سِيَّمَا الْعِفَّةُ وَالْأَمَانَةُ، أَلَيْسَ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى الِاسْتِهَانَةِ بِالْقُرْآنِ مِنْهُ بِالْأَدَبِ اللَّائِقِ الَّذِي تُرْشِدُ إِلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَأَمْثَالُهَا، وَتَتَوَعَّدُ عَلَى تَرْكِهِ بِجَعْلِهِ مُجَاوِرًا لِلْكُفْرِ الَّذِي يَسُوقُ صَاحِبَهُ إِلَى الْعَذَابِ الْأَلِيمِ: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (23: 68، 69) ؟ .
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) يَقُولُ - تَعَالَى - لِلْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَلِمْتُمْ شَأْنَهُمْ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ حَسَدَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى تَكْذِيبِهِمْ وَلَا يُبَالَى بِعُدْوَانِهِمْ، وَلَا يَضُرُّكُمْ كُفْرُهُمْ وَعِنَادُهُمْ، فَهُمْ لِحَسَدِهِمْ لَا يَوَدُّونَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ أَدْنَى خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ الْخَيْرَاتِ؛ لِأَنَّهُ النِّظَامُ الْكَامِلُ، وَالْفَضْلُ الشَّامِلُ، وَالْهِدَايَةُ الْعُظْمَى، وَالْآيَةُ الْكُبْرَى، جَمَعَ بِهِ شَمْلَكُمْ، وَوَصَلَ حَبْلَكُمْ، وَوَحَّدَ شُعُوبَكُمْ وَقَبَائِلَكُمْ، وَطَهَّرَ عُقُولَكُمْ مِنْ نَزَغَاتِ الْوَثَنِيَّةِ، وَزَكَّى نُفُوسَكُمْ مِنْ أَدْرَانِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَقَامَكُمْ عَلَى سُنَنِ الْفِطْرَةِ، وَشَرَعَ لَكُمُ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ، فَكَيْفَ لَا يَحْرِقُ الْحَسَدُ عَلَيْهِ أَكْبَادَهُمْ وَيُخْرِجُ أَضْغَانَهُمْ عَلَيْكُمْ وَأَحْقَادَهُمْ؟ .
(أَقُولُ) الْوُدُّ مَحَبَّةُ الشَّيْءِ، وَتَمَنِّي وُقُوعِهِ، يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قَصْدًا، وَعَلَى الْآخَرِ تَبَعًا. وَيَكُونُ مَفْعُولُ الْأَوَّلِ مُفْرَدًا وَالثَّانِي جُمْلَةً، وَنَفْيُهُ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ، فَالْمَعْنَى:
مَا يُحِبُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ أَدْنَى خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَلَا سِيَّمَا الْيَهُودُ فَلِحَسَدِهِمْ لِلْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمُ الْكِتَابُ وَالنُّبُوَّةُ، وَهُوَ مَا كَانُوا يَحْتَكِرُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَلِأَنَّ فِي التَّنْزِيلِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَرُسُوخِهِ وَانْتِشَارِهِ مَا خَيَّبَ آمَالَهُمْ فِي تَرَبُّصِهِمُ الدَّوَائِرَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتِهَاءِ أَمْرِهِ.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - رَدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا بَيَّنَ جَهْلَهُمْ وَجَهْلَ جَمِيعِ الْحَاسِدِينَ فَقَالَ: (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ، أَيْ أَنَّ الْحَاسِدَ لِغَبَاوَتِهِ وَفَسَادِ طَوِيَّتِهِ يَكُونُ سَاخِطًا عَلَى اللهِ - تَعَالَى - وَمُعْتَرِضًا عَلَيْهِ أَنْ أَنْعَمَ عَلَى الْمَحْسُودِ بِمَا أَنْعَمَ، وَلَا يَضُرُّ اللهَ - تَعَالَى - سُخْطُ السَّاخِطِينَ، وَلَا يُحَوِّلُ مَجَارِيَ نِعَمِهِ حَسَدُ الْحَاسِدِينَ، فَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 340
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست