responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 339
وَنَظَرْتَ إِلَيْهِ إِذَا وَجَّهْتَ إِلَيْهِ بَصَرَكَ وَرَأَيْتَهُ، وَتَقُولُ: نَظَرْتُهُ بِمَعْنَى انْتَظَرْتُهُ وَمِنْهُ (مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً) (36: 49) أَذِنَ اللهُ - تَعَالَى - لَهُمْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ (انْظُرْنَا) وَأَمَرَهُمْ بِالسَّمَاعِ لِلنَّبِيِّ لِيَعُوا عَنْهُ مَا يَقُولُ مِنَ الدِّينِ وَهُوَ أَمْرٌ يَتَضَمَّنُ الطَّاعَةَ وَالِاسْتِجَابَةَ. ثُمَّ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) لِبَيَانِ أَنَّ مَا صَدَرَ عَنِ الْيَهُودِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ فِي خِطَابِ الرَّسُولِ هُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ الَّذِي يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ الْعَذَابَ الْمُوجِعَ أَشَدَّ الْإِيجَاعِ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ
فِي الْأَدَبِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَنْبٌ مُجَاوِرٌ لِلْكُفْرِ يُوشِكُ أَنْ يَجُرَّ إِلَيْهِ، فَيَجِبُ الْاحْتِرَاسُ مِنْهُ بِتَرْكِ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِلْمُسَاوَاةِ، بَلْهَ الْأَلْفَاظِ الْمُنَافِيَةِ لِلْآدَابِ.
أَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ يُعَامِلُ أُسْتَاذَهُ وَمُرْشِدَهُ مُعَامَلَةَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، يَقِلُّ احْتِرَامُهُ لَهُ وَتَزُولُ هَيْبَتُهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى تَقِلَّ الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُ أَوْ تَعْدَمَ، وَإِذَا لَمْ تَزُلِ الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُعَلِّمًا، فَإِنَّهَا تَقِلُّ وَتَزُولُ لَا مَحَالَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُرَبِّيًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي التَّرْبِيَةِ عَلَى التَّأَسِّي وَالْقُدْوَةِ، وَمَنْ أَرَاهُ مِثْلِي لَا أَرْضَاهُ إِمَامًا وَقُدْوَةً لِي، فَإِنْ رَضِيتُهُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَالتَّقْلِيدِ وَكَذَّبَتْنِي الْمُعَامَلَةُ، فَأَيُّ قِيمَةٍ لِهَذَا الرِّضَى، وَالْعِبْرَةُ بِمَا فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ امْرَأً فَوْقَهُ عِلْمًا وَكَمَالًا، وَأَنَّهُ فِي حَاجَةٍ لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْ عِلْمِهِ وَإِرْشَادِهِ وَمِنْ أَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَاوِيَ نَفْسَهُ بِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ الْقَوْلِيَّةِ وَلَا الْفِعْلِيَّةِ، إِلَّا مَا يَكُونُ مِنْ فَلَتَاتِ اللِّسَانِ وَمِنَ اللَّمَمِ، وَعَنْ مِثْلِ هَذَا نَهَى الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -؛ لِئَلَّا يَجُرَّهُمُ الْأُنْسُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرَمُ أَخْلَاقِهِ إِلَى تَعَدِّي حُدُودِ الْأَدَبِ الْوَاجِبِ مَعَهُ الَّذِي لَا تَكْمُلُ التَّرْبِيَةُ إِلَّا بِكَمَالِهِ، وَهُوَ - تَعَالَى - يَقُولُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (33: 21) الْآيَةَ.
(الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : إِنَّمَا كَانَ عَدَمُ الْإِصْغَاءِ لِمَا يَقُولُهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَخِطَابُهُ خِطَابُ الْأَكْفَاءِ وَالنُّظَرَاءِ مُجَاوِرًا لِلْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِسَعَادَةِ مَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ وَيَأْخُذُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ بِالْأَدَبِ وَيَسْأَلُ عَمَّا لَا يَفْهَمُهُ بِالْأَدَبِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ هَذِهِ السَّعَادَةُ فَهُوَ الشَّقِيُّ الَّذِي لَا يُعْدَلُ بِشَقَائِهِ شَقَاءٌ. وَمَعْنَى هَذِهِ الْمُجَاوَرَةِ أَنَّ سُوءَ الْأَدَبِ بِنَحْوِ مَا حُكِيَ عَنِ الْيَهُودِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، هُوَ مِنَ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (4: 46) فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تُحَاكِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي تُوُعِّدُوا عَلَيْهَا بِهَذَا الْوَعِيدِ عَلَى أَنَّهَا كُفْرٌ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمُؤْمِنِ غَيْرَ مُحَرَّفَةٍ وَلَا مَقْصُودًا بِهَا مَا كَانُوا يَقْصِدُونَ، تُسَمَّى مُجَاوِرَةً لِأَلْفَاظِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهَا مُوهِمَةٌ وَخَارِجَةٌ عَنْ حُدُودِ الْأَدَبِ اللَّائِقِ بِالْمُؤْمِنِينَ.
(قَالَ) : إِنَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الرَّسُولِ حَظًّا مِنْ هَذَا التَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ هُوَ خَاصًّا
بِمَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذَا كِتَابُ اللهِ الَّذِي كَانَ يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لَهُ وَالْإِنْصَاتُ لِأَجْلِ تَدَبُّرِهِ، هُوَ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا بِعَيْنِهِ، لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ كَلَامُ اللهِ الَّذِي بِهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 339
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست