responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 324
كَمَا فَنَّدَ مَا قَبْلَهَا، وَهِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَدُوُّهُمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِوَحْيٍ يَجِيءُ هُوَ بِهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ رِوَايَاتٌ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ.
مِنْهَا: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ صُورِيَّا مِنْ عُلَمَائِهِمْ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَلَكِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ فَقَالَ: هُوَ جِبْرِيلُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ عَدُوُّ الْيَهُودِ، وَذَكَرَ مِنْ عَدَاوَتِهِ أَنَّهُ أَنْذَرَهُمْ خَرَابَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَانَ، وَمِنْهَا: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - دَخَلَ مِدْرَاسَهَمْ، فَذَكَرَ جِبْرِيلَ، فَقَالُوا: ذَاكَ عَدُوُّنَا، يُطْلِعُ مُحَمَّدًا عَلَى أَسْرَارِنَا، وَأَنَّهُ صَاحِبُ كُلِّ خَسْفٍ وَعَذَابٍ، وَمِيكَائِيلُ صَاحِبُ الْخِصْبِ وَالسَّلْمِ. . . إِلَخْ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُرَاءٌ، وَخَطَلُهُ بَيِّنٌ، وَإِنَّمَا عُنِيَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِهِ وَرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذِنٌ بِتَعَنُّتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَشَاهِدٌ عَلَى فَسَادِ تَصَوُّرِهِمْ وَعَدَمِ تَدَبُّرِهِمْ؛ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْكِتَابِ فِيهِ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِأَقْوَالِهِمْ وَلَا اعْتِدَادَ بِمِرَائِهِمْ وَجِدَالِهِمْ.
قَالَ - تَعَالَى -: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) أَيْ قُلْ لَهُمْ أَيُّهَا الرَّسُولُ حِكَايَةً عَنِ اللهِ - تَعَالَى -: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّ شَأْنَ جِبْرِيلَ كَذَا؛ فَهُوَ إذًا عَدُوٌّ لِوَحْيِ اللهِ الَّذِي يَشْمَلُ التَّوْرَاةَ وَغَيْرَهَا وَلِهِدَايَةِ اللهِ - تَعَالَى - لِخَلْقِهِ وَبُشْرَاهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَيَانِ ذَلِكَ. قَالَ شَيْخُنَا فِي تَقْيِيدِ تَنْزِيلِهِ (بِإِذْنِ اللهِ) : وَإِذَا كَانَ يُنَاجِي رُوحَكَ وَيُخَاطِبُ قَلْبَكَ بِإِذْنِ اللهِ لَا افْتِيَاتًا مِنْ نَفْسِهِ، فَعَدَاوَتُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ تَصُدَّ عَنِ الْإِيْمَانِ بِكَ، وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّخِذَهَا تَعِلَّةً وَيَنْتَحِلَهَا عُذْرًا، فَإِنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللهِ لَا مِنْ عِنْدِهِ. فَقَوْلُهُ: (بِإِذْنِ اللهِ) حُجَّةٌ أُولَى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ مُوَافِقًا لِلْكُتُبِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ فِي الْأُصُولِ الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهَا مِنَ التَّوْحِيدِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمُطَابِقًا لِمَا فِيهَا مِنَ الْبِشَارَاتِ بِالنَّبِيِّ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ أَبْنَاءِ إِسْمَاعِيلَ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: فَآمِنُوا بِهِ لِهَذِهِ الْمُطَابَقَةِ وَالْمُوَافَقَةِ، لَا لِأَنَّ جِبْرِيلَ وَاسِطَةٌ فِي تَبْلِيغِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ ثَانِيَةٌ، ثُمَّ عَزَّزَهَا بِثَالِثَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ: (وَهُدًى) أَيْ: نَزَّلَهُ هَادِيًا مِنَ الضَّلَالَاتِ وَالْبِدَعِ الَّتِي طَرَأَتْ عَلَى الْأَدْيَانِ، فَأَلْقَتْ أَهْلَهَا فِي حَضِيضِ الْهَوَانِ، وَالْعَاقِلُ لَا يَرْفُضُ الْهِدَايَةَ الَّتِي تَأْتِيهِ وَتُنْقِذُهُ مِنْ ضَلَالٍ هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ فِي مَجِيئِهَا كَانَ عَدُوًّا لَهُ مِنْ
قَبْلُ، فَإِنَّ هَذَا الرَّفْضَ مِنْ عَمَلِ الْغَبِيِّ الْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْخَيْرَ بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ بِمَنْ كَانَ سَبَبًا فِي حُصُولِهِ. ثُمَّ أَيَّدَ الْحُجَجَ الثَّلَاثَ بِرَابِعَةٍ، فَقَالَ: (وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) أَيْ: إِذَا كُنْتُمْ تُعَادُونَ جِبْرِيلَ لِأَنَّهُ أَنْذَرَ بِخَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ إِنَّمَا أَنْذَرَ الْمُفْسِدِينَ، وَقَدْ أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَيَّ بُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، فَمَا لَكُمَ أَنْ تَتْرُكُوا هَذِهِ الْبُشْرَى إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيْمَانِ، لِأَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِهَا قَدْ نَزَلَ بِإِنْذَارِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالطُّغْيَانِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ: أَنَّ جِبْرِيلَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ " جِبْرَ " وَمَعْنَاهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ أَوِ السِّرْيَانِيَّةِ: الْقُوَّةُ، وَمِنْ " إِيلَ "، وَمَعْنَاهُ: الْإِلَهُ، أَيْ قُوَّةُ اللهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَبْدُ اللهِ. وَفِيهِ 13 لُغَةً مِنْهَا ثَمَانِ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ، أَرْبَعٌ فِي الْمَشْهُورَاتِ: جَبْرَئِيلُ كَسَلْسَبِيلٍ، قَرَأَ بِهَا حَمْزَةُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 324
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست