responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 276
بِآيَاتِ اللهِ. . . إِلَخْ. فَإِنَّهُمْ بِإِحْرَاجِهِمْ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِعْنَاتِهِمْ لَهُ فِي الْمَطَالِبِ، مَعَ كَثْرَةِ مَا شَاهَدُوا مِنَ الْعَجَائِبِ، وَمَا أَظْهَرَ اللهُ مِنَ الْغَرَائِبِ، وَقَدْ دَلُّوا عَلَى أَنْ لَا أَثَرَ لِلْآيَاتِ فِي نُفُوسِهِمْ، فَهُمْ بِهَا كَافِرُونَ فِي الْحَقِيقَةِ. وَنِسْيَانُ الْآيَاتِ وَعَدُّهَا كَأَنْ لَمْ تَكُنْ يَعُدُّهُ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ كُفْرًا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ قَتَلَ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنْهُمْ إِلَّا بِحَقِّهِ الْمُبَيَّنِ فِيهِ، كُلُّ ذَلِكَ دَلَّ فِيهِمْ عَلَى طِبَاعٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْكَرَمِ، وَقُلُوبٍ غُلْفٍ دُونَ الْفَهْمِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَهُ فَالْأَجْدَرُ بِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِيلًا مَقْهُورًا، ثُمَّ هُوَ مَهْبِطُ غَضَبِ اللهِ وَمَحَطُّ نِقَمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ كُفْرًا لِنِعَمِهِ، وَقَوْلُهُ: (بِغَيْرِ الْحَقِّ) مَعَ
أَنَّ قَتْلَ النَّبِيِّينَ لَا يَكُونُ إِلَّا كَذَلِكَ يَزِيدُ فِي شَنَاعَةِ حَالِهِمْ، وَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُخْطِئِينَ فِي الْفَهْمِ، وَلَا مُتَأَوِّلِينَ لِلْحُكْمِ، بَلِ ارْتَكَبُوا هَذَا الْجُرْمَ الْعَظِيمَ عَامِدِينَ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ بِارْتِكَابِهِ مُخَالِفُونَ لِمَا شَرَعَ اللهُ - تَعَالَى - لَهُمْ فِي كِتَابِ دِينِهِمْ. (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) قَالَ الْأُسْتَاذُ: ذَلِكَ الذُّلُّ وَتِلْكَ الْخَلَاقَةُ بِالْغَضَبِ إِنَّمَا لَزِمَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَوُا اللهَ فِيمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّهُمُ اعْتَدَوْا تِلْكَ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا اللهُ لَهُمْ فِي شَرَائِعِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ وَالْحُدُودُ هِيَ الْوَسِيلَةُ لِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ الذُّلِّ وَتَمْكِينِ الْعِزِّ وَالسُّلْطَانِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ الْمَوْعُودَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتِ الْكَافِلَةَ بِنِظَامِهِمْ، الْحَافِظَةَ لِبِنَاءِ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِذَا أَهْمَلُوهَا فَسَدَتْ أُلْفَتُهُمْ، وَانْهَدَمَ بِنَاؤُهُمْ، وَأَسْرَعَتْ إِلَيْهِمُ الذِّلَّةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فَارَقَتْهُمْ إِلَّا مُنْهَزِمَةً مِنْ يَدَيِ سُلْطَانِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَصُدُّهَا عَنْهُمْ إِلَّا مَعَاقِلُ النِّظَامِ تَحْتَ رِعَايَتِهِ، وَلَزِمَتْهُمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ بَعْدَ هَذَا لُزُومَ الطَّابِعِ لِلْمَطْبُوعِ.
وَالْمُتَبَادِرُ - وَعَدَّهُ الْأُسْتَاذُ احْتِمَالًا - أَنْ تَرْجِعَ الْإِشَارَةُ فِي (ذَلِكَ) إِلَى الثَّانِي أَيِ الْكُفْرِ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِ النَّبِيِّينَ. أَيْ إِنَّ كُفْرَهُمْ وَجَرَاءَتَهُمْ عَلَى النَّبِيِّينَ بِالْقَتْلِ، إِنَّمَا مَنْشَؤُهُمَا عِصْيَانُهُمْ وَاعْتِدَاؤُهُمْ حُدُودَ دِينِهِمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدِينُ بِدِينٍ أَوْ شَرِيعَةٍ أيًّا كَانَتْ يَتَهَيَّبُ لِأَوَّلِ الْأَمْرِ مُخَالَفَتَهَا، فَإِذَا خَالَفَهَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ تَرَكَتِ الْمُخَالَفَةُ أَثَرًا فِي نَفْسِهِ، وَضَعُفَتْ هَيْبَةُ الشَّرِيعَةِ فِي نَظَرِهِ، فَإِذَا عَادَ زَادَ ضَعْفُ سُلْطَةِ الشَّرِيعَةِ عَلَى إِرَادَتِهِ، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَصِيرَ الْمُخَالَفَةُ طَبْعًا وَرَيْنًا، وَيَنْسَى مَا قَامَ عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ دَلِيلٍ، وَمَا كَانَ لَهَا مِنْ سَيْطَرَةٍ، وَيَضْرَى بِالْعُدْوَانِ، كَمَا يَضْرَى الْحَيَوَانُ بِالِافْتِرَاسِ، وَكُلُّ عَمَلٍ يَسْتَرْسِلُ فِيهِ الْعَامِلُ تَقْوَى مَلَكَتُهُ فِيهِ خُصُوصًا مَا اتَّبَعَ فِيهِ الْهَوَى.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 276
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست