responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 274
وَعْدِهِ لَهُمْ، لَمْ تَسْتَيْقِنْهُ أَنْفُسُهُمْ، بَلْ كَانُوا عَلَى رَيْبٍ مِنْهُ، وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَدَعَهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ مِصْرَ وَجَاءَ بِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لِيُهْلِكَهُمْ؛ فَلِذَلِكَ دَأَبُوا عَلَى إِعْنَاتِهِ وَالْإِكْثَارِ مِنَ الطَّلَبِ فِيمَا يُسْتَطَاعُ وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ، حَتَّى يَيْأَسَ مِنْهُمْ فَيَرْتَدَّ بِهِمْ إِلَى مِصْرَ حَيْثُ أَلْفَوُا الذِّلَّةَ، وَلَهُمْ مَطْمَعٌ فِي الْعَيْشِ وَأَمَلٌ فِي الْخَلَاصِ مِنَ الْهَلَكَةِ، مِمَّا ذَكَرَهُ اللهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) وَيُرْشِدُ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ الْإِعْنَاتِ قَوْلُهُمْ: (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ) ، فَقَدْ عَبَّرَ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ بِمَا فِيهِ حَرْفُ النَّفْيِ الَّذِي يَأْتِي لِسَلْبِ الْفِعْلِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ مَعَ تَأْكِيدِهِ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَكَ أَمَلٌ فِي بَقَائِنَا مَعَكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنِ الْتِزَامِ طَعَامٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ اللهِ كَمَا تَزْعُمُ فَادْعُهُ يُخْرِجْ لَنَا مَا يُمْكِنُ مَعَهُ أَنْ نَبْقَى مَعَكَ؛ إِلَى أَنْ يَتِمَّ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَكَ وَوَعَدْتَنَا - وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي بَرِّيَّةٍ غَيْرِ مُنْبِتَةٍ، وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ هَذَا عَنْ سَآمَةٍ وَلَا أَجَمٍ مِنْ وَحْدَةِ الطَّعَامِ، وَلَكِنَّهُ نَزَقٌ وَبَطَرٌ كَمَا بَيَّنَا، وَطَلَبٌ لِلْخَلَاصِ مِمَّا يَخْشَوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي أَخْبَارِهِمْ. وَوَصَفُوا الطَّعَامَ بِالْوَاحِدِ مَعَ أَنَّهُ نَوْعَانِ - الْمَنُّ وَالسَّلْوَى - لِأَنَّهُمَا طَعَامُ كُلِّ يَوْمٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ عِدَّةَ أَلْوَانٍ لَا تَتَغَيَّرُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ وَاحِدٍ، كَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى أَنَّ مَجْمُوعَ الْأَلْوَانِ هِيَ غِذَاؤُهُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ، فَهِيَ غِذَاءٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا تَغَيَّرَتِ الْأَلْوَانُ تَغَيَّرَ نَوْعُ الْغِذَاءِ فَكَانَ طَعَامًا مُتَعَدِّدًا.
وَالْبَقْلُ مِنَ النَّبَاتِ: مَا لَيْسَ بِشَجَرِ دِقٍّ وَلَا جِلٍّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا يَنْبُتُ فِي بَزْرِهِ وَلَا يَنْبُتُ فِي أُرُومَةٍ ثَابِتَةٍ. وَفَرْقُ مَا بَيْنَ الْبَقْلِ وَدِقِّ الشَّجَرِ أَنَّ الْبَقْلَ إِذَا رُعِيَ لَمْ يَبْقَ لَهُ سَاقٌ، وَالشَّجَرُ تَبْقَى لَهُ سُوقٌ وَإِنْ دَقَّتْ.
وَأَرَادُوا مِنَ الْبَقْلِ مَا يَطْعَمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَطَايِبِ الْخُضَرِ كَالْكَرَفْسِ وَالنَّعْنَاعِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُغْرِي بِالْقَضْمِ، وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ، وَالْقِثَّاءُ: هِيَ أُخْتُ الْخِيَارِ، تُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ " الْقَتَّةُ " وَالْعَدَسُ وَالْبَصَلُ مَعْرُوفَانِ، وَالْفُومُ هُوَ: الْحِنْطَةُ.
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ هُوَ: الثُّومُ. أُبْدِلَتِ الثَّاءُ فَاءً كَمَا فِي جَدَثٍ وَجَدَفٍ. وَطَلَبُهُمْ لِلْحِنْطَةِ هُوَ طَلَبُهُمْ لِلْخُبْزِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهَا. (قَالَ) مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَقْرِيعًا لَهُمْ عَلَى أَشَرِهِمْ وَإِنْكَارًا لِتَبَرُّمِهِمْ: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ؟ أَيْ أَتَطْلُبُونَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الْخَسِيسَةَ بَدَلَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُوَ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى؟ وَالْمَنُّ فِيهِ الْحَلَاوَةُ الَّتِي تَأْلَفُهَا أَغْلَبُ الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالسَّلْوَى مِنْ أَطْيَبِ لُحُومِ الطَّيْرِ، وَفِي مَجْمُوعِهَا غِذَاءٌ تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ، وَلَيْسَ فِيمَا طَلَبُوهُ مَا يُسَاوِيهِمَا لَذَّةً وَتَغْذِيَةً.
أَقُولُ: وَالْأَدْنَى فِي اللُّغَةِ الْأَقْرَبُ، وَاسْتُعِيرَ لِلْأَخَسِّ وَالْأَدْوَنِ، كَمَا اسْتُعِيرَ الْبُعْدُ لِلرِّفْعَةِ، وَالِاسْتِبْدَالُ طَلَبُ شَيْءٍ بَدَلًا مِنْ آخَرَ، وَالْبَاءُ تَدَخُلُ الْمُبْدَلَ مِنْهُ الْمُرَادَ تَرْكِهِ. ثُمَّ قَالَ: (اهْبِطُوا مِصْرًا) مِنَ الْأَمْصَارِ (فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) أَيْ فَإِنَّكُمْ إِنْ هَبَطْتُمُوهُ وَنَزَلْتُمُوهُ وَجَدْتُمْ فِيهِ مَا سَأَلْتُمْ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 274
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست