responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 263
فَرْقَ الْبَحْرِ كَانَ مُعْجِزَةً لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحَكَى عَنِ الْمُتَهَوِّرِينَ مِنَ الَّذِينَ لَا يُحِبُّونَ الْمُعْجِزَاتِ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عُبُورَ الْبَحْرِ كَانَ فِي وَقْتِ الْجَزْرِ، وَإِنَّمَا بَسَطْنَا تَأْوِيلَهُمْ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّنَا لَمْ نَقُلْ بِهِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَهْتَدِ لِتَوْجِيهِهِ مِثْلَهُمْ، وَلَا يَهِمُّنَا أَنْ نُنَازِعَهُمْ فِي تَأْوِيلِ آيَةٍ بِخُصُوصِهَا إِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ تَأْيِيدًا
لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِذَا كَانُوا يَنْفُونَهَا كُلَّهَا فَالْأَوْلَى لَهُمْ أَلَّا يَتْعَبُوا فِي تَأْوِيلِ جُزْئِيَّاتِهَا، فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لِإِثْبَاتِهَا أَوَّلًا فِي قُدْرَةِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ، ثُمَّ فِي إِثْبَاتِ أَصْلِ الْوَحْيِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَلَنَا أَنْ نَقُولَ هُنَا: إِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ (بِكُمْ) سَبَبِيَّةٌ، أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ لَا لِلْآلَةِ، وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْضَاوِيُّ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ: فَقُلْنَاهُ وَفَصَلْنَا بَيْنَ بَعْضِهِ وَبَعْضٍ حَتَّى حَصَلَتْ فِيهِ مَسَالِكُ لِسُلُوكِكُمْ فِيهِ أَوْ بِسَبَبِ إِنْجَائِكُمْ، أَوْ مُتَلَبَّسًا بِكُمْ.
وَأَزْيَدُ الْآنَ: أَنَّنِي رَأَيْتُ بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ بِبِضْعِ سِنِينَ جُزْءًا مِنْ تَفْسِيرِ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي خِزَانَةِ كُتُبِ كُوبْرِيلِّي بَاشَا فِي الْآسِتَانَةِ، فَرَاجَعْتُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ فَأَلْفَيْتُهُ يَذْكُرُ فِي الْبَاءِ الْوَجْهَيْنِ، أَيْ: إِنَّ فَرْقَ الْبَحْرِ حَصَلَ بِهِمْ، أَيْ: بِنَفْسِ عُبُورِهِمْ أَوْ بِسَبَبِهِمْ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ: قِيلَ: مَعْنَاهُ فَرَقْنَاهُ لَكُمْ، وَقِيلَ: فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ نِعْمَةَ الْإِنْجَاءِ مِنِ اسْتِبْعَادِ الظَّالِمِينَ، وَالْبُعْدِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، ذَكَرَ النِّعْمَةَ الَّتِي وَلِيَتْهَا، وَذَكَّرَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ كُفْرِهِمْ إِيَّاهَا، فَقَالَ: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُوَاعَدَةُ لِإِعْطَائِهِ التَّوْرَاةَ، وَلَمَّا ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ اسْتَبْطَئُوهُ فَاتَّخَذُوا عِجْلًا مِنْ ذَهَبٍ فَعَبَدُوهُ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ - وَسَيَأْتِي هُنَاكَ تَفْسِيرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ - تَعَالَى - وَالْمُرَادُ هُنَا التَّذْكِيرُ بِالنِّعْمَةِ وَبَيَانُ كُفْرِهَا؛ لِيَظْهَرَ أَنَّ تَكْذِيبَهُمْ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَانَدَتَهُ لَيْسَ بِبِدْعٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْهُودٌ مِنْهُمْ مَعَ رُؤْيَةِ الْآيَاتِ وَبَعْدَ إِغْدَاقِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ؛ وَلِذَلِكَ اكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) أَيِ: اتَّخَذْتُمُوهُ إِلَهًا وَمَعْبُودًا. وَبَعْدَ أَنْ ذَكَّرَهُمْ بِذَلِكَ الظُّلْمِ ذَكَّرَهُمْ بِتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْبَةِ، ثُمَّ بِالْعَفْوِ الَّذِي هُوَ جَزَاءُ التَّوْبَةِ، فَقَالَ: (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هَذِهِ النِّعْمَةَ بِدَوَامِ التَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ.
ثُمَّ قَفَّى عَلَى هَذَا بِذِكْرِ إِيتَائِهِمُ الْكِتَابَ وَهُوَ الْمِنَّةُ الْكُبْرَى، فَقَالَ: (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . قَالَ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) كَغَيْرِهِ: إِنَّ
الْفُرْقَانَ هُوَ التَّوْرَاةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْفُرْقَانَ هُوَ مَا أُوتِيَهُ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ: وَلَكِنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ الْكِتَابِ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا فِي الْكِتَابِ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ الْمُفَرِّقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلَّالِ وَالْحَرَامِ، وَمَعْنَى

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست