responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 262
خَفِيَّةً رُوحِيَّةً لَمْ يُطْلِعِ اللهُ الْأُمَمَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ خَصَّ بِهَا الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّ اللهَ يَخْلُقُهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ السُّنَنَ وَالنَّوَامِيسَ لَا تَحْكُمُ عَلَى وَاضِعِهَا وَمُدَبِّرِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَاكِمُ الْمُتَصَرِّفُ بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفِيَ ذَلِكَ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ عَنْ عَالَمِ الْغَيْبِ؟ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ.
(قَالَ) : وَزَعَمَ الَّذِينَ لَا يُحِبُّونَ الْمُعْجِزَاتِ مِنَ الْمُتَهَوِّرِينَ أَنَّ عُبُورَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ كَانَ فِي إِبَّانِ الْجَزْرِ، فَإِنَّ فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ رُقَارِقَ إِذَا كَانَ الْجَزْرُ الَّذِي عُهِدَ هُنَاكَ شَدِيدًا يَتَيَسَّرُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْبُرَ مَاشِيًا، وَلَمَّا أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ وَرَآهُمْ قَدْ عَبَرُوا الْبَحْرَ تَأَثَّرَهُمْ، وَكَانَ الْمَدُّ تَفِيضُ ثَوَائِبُهُ (وَهِيَ الْمِيَاهُ الَّتِي تَجِيءُ عُقَيْبَ الْجَزْرِ) فَلَمَّا نَجَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، كَانَ الْمَدُّ قَدْ طَغَى وَعَلَا حَتَّى أَغْرَقَ الْمِصْرِيِّينَ، وَتَحَقُّقُ إِنْعَامِ
اللهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتِمُّ بِهَذَا التَّوْفِيقِ لَهُمْ وَالْخِذْلَانِ لِعَدْوِهِمْ، وَلَا يُنَافِي الِامْتِنَانَ بِهِ عَلَيْهِمْ كَوْنُهُ لَيْسَ آيَةً لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَإِنَّ نِعَمَ اللهِ بِغَيْرِ طَرِيقِ الْمُعْجِزَاتِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ، كَذَا قَالُوا. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَكِنْ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ آيَةً لَهُ وَصْفُ كُلِّ فِرْقٍ مِنْهُ بِالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَإِذَا تَيَسَّرَ تَأْوِيلُ كُلِّ آيَاتِ الْقِصَّةِ مِنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يَتَعَسَّرُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: (فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (26: 63) وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ اهـ.
وَيَقُولُ الْمُؤَوِّلُونَ: إِنَّهُمْ لَمَّا عَبَرُوا انْفَرَقَ بِهِمْ، وَكَانُوا لِاسْتِعْجَالِهِمْ وَاتِّصَالِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ قَدْ جَعَلُوا ذَلِكَ الْمَاءَ الرَّقَارِقَ فِرْقَيْنِ عَظِيمَيْنِ مُمْتَدَّيْنِ كَالطَّوْدَيْنِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُشْعِرُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) وَلَمْ يَقُلْ: فَرَقْنَا لَكُمُ الْبَحْرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ هُنَا لِلْآلَةِ، كَمَا تَقُولُ: قَطَعْتُ بِالسِّكِّينِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (26: 63) فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي أَنَّ الِانْفِلَاقَ كَانَ بِهِمْ كَمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ لَا بِالْعَصَا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَوْحَاهُ اللهُ - تَعَالَى - إِلَى مُوسَى هُوَ أَنْ يَخُوضَ الْبَحْرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ عُهِدَ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ عَصًا إِذَا أَرَادَ الْخَوْضَ فِي مَاءٍ كَتُرْعَةٍ أَوْ نَهْرٍ، فَإِنَّهُ يَضْرِبُ الْمَاءَ أَوَّلًا بِعَصَاهُ ثُمَّ يَمْشِي، فَهَذِهِ الْآيَةُ مُعَبِّرَةٌ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى: أَيْ أَلْهَمَهُ اللهُ عِنْدَ مَا وَصَلَ إِلَى الْبَحْرِ أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ وَيَمْشِيَ، فَفَعَلَ وَمَشَى وَرَاءَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِجَمْعِهِمُ الْكَبِيرِ، فَانْفَلَقَ بِهِمُ الْبَحْرُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (26: 63) فَهُوَ تَشْبِيهٌ مَعْهُودٌ مِثْلُهُ فِي مَقَامِ الْمُبَالَغَةِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) (11: 42) وَقَوْلِهِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) (42: 32) فَالْأَمْوَاجُ وَالسُّفُنُ وَالْجَوَارِي لَا تَكُونُ كَالْجِبَالِ الشَّاهِقَةِ، وَالْأَعْلَامِ الْبَاسِقَةِ، وَإِنَّمَا تَقْضِي الْبَلَاغَةُ بِمِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ، لِكَمَالِ التَّصْوِيرِ وَإِرَادَةِ التَّأْثِيرِ.
هَذَا مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ تَأْوِيلُ الْمُؤَوِّلِينَ وَلَمْ يَبْسُطْهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ، وَإِنَّمَا قَرَّرَ أَنَّ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 262
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست