responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 261
قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَا يُخَفِّفُ الْعَذَابَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا يُرْسِلُهُمْ مَعَ مُوسَى حَتَّى يُرِيَهُ آيَاتِهِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الدَّعْوَةِ زَادَ ظُلْمًا وَعُتُوًّا، فَأَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا يُسَخِّرُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ بِأَنْ يَزِيدُوا فِي الْقَسْوَةِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَمْنَعُوهُمُ التِّبْنَ الَّذِي كَانُوا يُعْطُونَهُمْ إِيَّاهُ لِعَمَلِ اللَّبِنِ (الطُّوبِ) ، وَيُكَلِّفُوهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا التِّبْنَ وَيَعْمَلُوا كُلَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ مِنَ اللَّبِنِ، لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَأَعْطَى اللهُ - تَعَالَى - مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، فَحَاوَلَ فِرْعَوْنُ مُعَارَضَتَهَا بِسِحْرِ السَّحَرَةِ، فَلَمَّا آمَنَ السَّحَرَةُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ مِنَ السِّحْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْيِيدٌ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، وَرَأَى مَا رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لِمُوسَى، سَمَحَ بِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْ طَرَدَهُمْ، وَفِي سِفْرِ الْخُرُوجِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي شَهْرِ أَبِيبٍ، وَكَانَتْ إِقَامَتُهُمْ فِي مِصْرَ 430 سَنَةٍ. ثُمَّ أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، وَأَنْجَى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -:
(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) أَيْ: وَاذْكُرُوا مِنْ نِعَمِنَا عَلَيْكُمْ إِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهِ طَرِيقًا يَبَسًا سَلَكْتُمُوهُ فِي هَرَبِكُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ (فَأَنْجَيْنَاكُمْ) بِعُبُورِهِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى آخَرَ (وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ) إِذْ عَبَرُوا وَرَاءَكُمْ (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ذَلِكَ بِأَعْيُنِكُمْ، لَوْلَاهُ لَعَظُمَ عَلَيْكُمْ خَبَرُ غَرَقِهِمْ وَلَمْ تُصَدِّقُوهُ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : فَلْقُ الْبَحْرِ كَانَ مِنْ مُعْجِزَاتِ مُوسَى. وَقَدْ قُلْنَا فِي " رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ ": إِنَّ الْخَوَارِقَ الْجَائِزَةَ عَقْلًا، أَيِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَلَا
ارْتِفَاعُهُمَا لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِهَا بِقُدْرَةِ اللهِ - تَعَالَى - فِي يَدِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَجِبُ أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يَمْنَعُنَا هَذَا الْإِيمَانُ مِنَ الِاهْتِدَاءِ بِسُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْخَلْقِ وَاعْتِقَادِ أَنَّهَا لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَحَوَّلُ، كَمَا قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي خَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الَّذِي خَتَمَ بِهِ النَّبِيِّينَ، فَانْتَهَى بِذَلِكَ زَمَنُ الْمُعْجِزَاتِ، وَدَخَلَ الْإِنْسَانُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ فِي سِنِّ الرُّشْدِ، فَلَمْ تَعُدْ مُدْهِشَاتُ الْخَوَارِقِ هِيَ الْجَاذِبَةُ لَهُ إِلَى الْإِيمَانِ وَتَقْوِيمِ مَا يَعْرِضُ لِلْفِطْرَةِ مِنَ الْمَيْلِ عَنِ الِاعْتِدَالِ فِي الْفِكْرِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، كَمَا كَانَ فِي سِنِّ الطُّفُولِيَّةِ (النَّوْعِيَّةِ) بَلْ أَرْشَدَهُ - تَعَالَى - بِالْوَحْيِ الْأَخِيرِ (الْقُرْآنِ) إِلَى اسْتِعْمَالِ عَقْلِهِ فِي تَحْصِيلِ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَبِالْوَحْيِ، ثُمَّ جَعَلَ لَهُ كُلَّ إِرْشَادَاتِ الْوَحْيِ مُبَيِّنَةً مُعَلِّلَةً مُدَلِّلَةً حَتَّى فِي مَقَامِ الْأَدَبِ (كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ) . فَإِيمَانُنَا بِمَا أَيَّدَ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْآيَاتِ لِجَذْبِ قُلُوبِ أَقْوَامِهِمُ الَّذِينَ لَمْ تَرْتَقِ عُقُولُهُمْ إِلَى فَهْمِ الْبُرْهَانِ، لَا يُنَافِي كَوْنَ دِينِنَا هُوَ دِينُ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ، وَكَوْنِهِ حَتَّمَ عَلَيْنَا الْإِيمَانَ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ الْعِيَانُ، مِنْ أَنَّ سُنَنَهُ - تَعَالَى - فِي الْخَلْقِ لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَحْوِيلَ.
(أَقُولُ) : وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الَّذِي يَمْنَعُهُ الْعَقْلُ هُوَ وُقُوعُ الْمُحَالِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَيَّدَ نَبِيٌّ بِمَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ، وَمَا وَقَعَ لَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا، وَلِذَلِكَ سَمَّى الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُعْجِزَاتِ " خَوَارِقَ الْعَادَاتِ " وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ لَهَا أَسْبَابًا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 261
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست