responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 256
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُثْنِي عَلَى اللهِ - تَعَالَى - بِثَنَاءٍ يُلْهِمُهُ يَوْمَئِذٍ فَيُقَالُ لَهُ: ((ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعُ)) وَلَيْسَ فِي الشَّفَاعَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَرْجِعُ عَنْ إِرَادَةٍ كَانَ أَرَادَهَا لِأَجْلِ الشَّافِعِ وَإِنَّمَا هِيَ إِظْهَارُ كَرَامَةٍ لِلشَّافِعِ بِتَنْفِيذِ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ عُقَيْبَ دُعَائِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَيْضًا مَا يُقَوِّي غُرُورَ الْمَغْرُورِينَ اللَّذِينَ يَتَهَاوَنُونَ بِأَوَامِرِ الدِّينِ وَنَوَاهِيهِ اعْتِمَادًا عَلَى شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، بَلْ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ أَحَدًا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا طَاعَتُهُ وَرِضَاهُ (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (74: 48، 49) وَ (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) (21: 28) .
(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)
هَذِهِ الْآيَةُ كَالَّتِي قَبْلَهَا وَاللَّوَاتِي بَعْدَهَا تَفْصِيلٌ لِنِعْمَةِ اللهِ عَلَى شَعْبِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي ذُكِرَتْ مِنْ قَبْلُ مُجْمَلَةً، وَابْتُدِئَ التَّفْصِيلُ بِذِكْرِ التَّفْضِيلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي ذِكْرِهِ، وَهُوَ نُهُوضُ الْهِمَّةِ إِلَى التَّخَلُّقِ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالتَّرَفُّعِ عَنِ الرِّضَا بِمَا دُونَ الْمَقَامِ الَّذِي رَفَعَهُمُ اللهُ إِلَيْهِ، وَتَوْطِينِ النَّفْسِ لِقَبُولِ الْمَوْعِظَةِ إِلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْعُقُوبَاتِ جَزَاءً عَلَى جَرَائِمِهِمْ، وَبِلُطْفِ اللهِ - تَعَالَى - بِهِمْ وَإِنْجَائِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَتَوْبَتِهِ عَلَيْهِمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ لِيُعَرِّفَهُمْ مِقْدَارَ فَضْلِهِ وَعُقُوبَتِهِ مَعًا.
وَالْآيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ سِلْسِلَةِ الذِّكْرَيَاتِ فَقَوْلُهُ: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) عَطْفُ تَفْصِيلٍ عَلَى الْإِجْمَالِ فِي قَوْلِهِ: (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) أَيْ: نِعَمِيَ الْكَثِيرَةَ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يُفِيدُ الْعُمُومَ، أَيْ: وَاذْكُرُوا إِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ،
وَفِرْعَوْنُ لَقَبٌ لِمَنْ تَوَلَّى مُلْكَ مِصْرَ قَبْلَ الْبَطَالِسَةِ، وَإِلَهُ خَاصَّتِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى قَوْمِهِ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ، وَلَمَّا كَانَتِ التَّنْجِيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ ظُلْمٍ أَوْ شَرٍّ، بَيَّنَ مَا نَجَّاهُمْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أَيْ: يُكَلِّفُونَكُمْ وَيَبْغُونَكُمْ مَا يَسُوءُكُمْ وَيُذِلُّكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) أَيْ: يَقْتُلُونَ ذُكْرَانَ نَسْلِكُمْ، وَيَسْتَبْقُونَ إِنَاثَهُ أَحْيَاءً لِإِضْعَافِكُمْ وَإِذْلَالِكُمُ الْمُفْضِي إِلَى قَطْعِ نَسْلِكُمْ وَإِبَادَتِكُمْ (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أَيْ: وَفِي ذَلِكُمُ الْعَذَابِ وَفِي التَّنْجِيَةِ مِنْهُ - فِي كُلٍّ مِنْهُمَا - بَلَاءٌ وَامْتِحَانٌ عَظِيمٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (7: 168) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 256
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست