responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 255
إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً؛ لِأَنَّ لَهُمُ الْجَاهَ وَالتَّأْثِيرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَرْضَوْنَ أَنْ يَتْرُكُوا أَبْنَاءَهُمْ فِي الْعَذَابِ، ثُمَّ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ شَفَاعَةَ الْأَحْبَارِ لِمَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمْ. وَمَتَى ضَعُفَ الدِّينُ يُوجَدُ مِنْ رُؤَسَائِهِ مَنْ يُرَوِّجُ هَذِهِ الْعَقَائِدَ فِي الْعَامَّةِ لِمَا تَسُوقُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَنَافِعِ. وَكَذَلِكَ كَانَ الْيَهُودُ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا فَمَحَا هَذِهِ الْعَقِيدَةَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَرْضَاةُ اللهِ - تَعَالَى - بِالْإِيمَانِ الْخَالِصِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
فِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ نَاطِقَةٌ بِنَفْيِ الشَّفَاعَةِ مُطْلَقًا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي وَصْفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: (لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ) (2: 254) وَأُخْرَى نَاطِقَةٌ بِنَفْيِ مَنْفَعَةِ الشَّفَاعَةِ، كَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (74: 48) وَآيَاتٌ تُفِيدُ النَّفْيَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: (إِلَّا بِإِذْنِهِ) (2: 255) وَقَوْلِهِ (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) (21: 28) فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْكُمُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَنَحْتَاجُ إِلَى حَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ (أَيِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْإِذْنِ وَالْمَشِيئَةِ) مَعْهُودٌ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ فِي مَقَامِ النَّفْيِ الْقَطْعِيِّ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ) (87: 6، 7) وَقَوْلِهِ: (فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) (11: 107) فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ قَطْعِيٌّ فِي وُقُوعِ الشَّفَاعَةِ، وَلَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِإِثْبَاتِهَا، فَمَا مَعْنَاهَا؟
الشَّفَاعَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ النَّاسِ: هِيَ أَنْ يَحْمِلَ الشَّافِعُ الْمَشْفُوعَ عِنْدَهُ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ كَانَ أَرَادَ غَيْرَهُ - حَكَمَ بِهِ أَمْ لَا - فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا بِتَرْكِ الْإِرَادَةِ، وَفَسْخِهَا لِأَجْلِ الشَّفِيعِ.
فَأَمَّا الْحَاكِمُ الْعَادِلُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الشَّفَاعَةَ إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَ عِلْمُهُ بِمَا كَانَ إِرَادَةً أَوْ حَكَمَ بِهِ؛ كَأَنْ كَانَ أَخْطَأَ ثُمَّ عَرَفَ الصَّوَابَ، وَرَأَى أَنَّ الْمَصْلَحَةَ أَوِ الْعَدْلَ فِي خِلَافِ مَا كَانَ يُرِيدُهُ أَوْ حَكَمَ بِهِ.
وَأَمَّا الْحَاكِمُ الْمُسْتَبِدُّ الظَّالِمُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ شَفَاعَةَ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَهُ فِي الشَّيْءِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَأَنَّ الْعَدْلَ فِي خِلَافِهِ، وَلَكِنَّهُ يُفَضِّلُ مَصْلَحَةَ ارْتِبَاطِهِ بِالشَّافِعِ الْمُقَرَّبِ مِنْهُ عَلَى الْعَدَالَةِ. وَكُلٌّ مِنَ النَّوْعَيْنِ مُحَالٌ عَلَى اللهِ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّ إِرَادَتَهُ - تَعَالَى - عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ، وَعِلْمُهُ أَزَلِيٌّ لَا يَتَغَيَّرُ.
(قَالَ شَيْخُنَا) : فَمَا وَرَدَ فِي إِثْبَاتِ الشَّفَاعَةِ يَكُونُ عَلَى هَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ وَفِيهِ يَقْضِي مَذْهَبُ السَّلَفِ بِالتَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ، وَأَنَّهَا مَزِيَّةٌ يَخْتَصُّ اللهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَبَّرَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ " الشَّفَاعَةُ " وَلَا نُحِيطُ بِحَقِيقَتِهَا مَعَ تَنْزِيهِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ فِي لِسَانِ التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْخَلَفِ فِي التَّأْوِيلِ فَلَنَا أَنْ نَحْمِلَ الشَّفَاعَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا دُعَاءٌ يَسْتَجِيبُهُ اللهُ - تَعَالَى. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الشَّفَاعَةِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 255
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست