responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 248
النَّفْسِ لَيْسَ طَبِيعِيًّا كَالنَّفْسِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَمُقَاوَمَتُهُ، بَلْ هُوَ اخْتِيَارِيٌّ وَسَبَبُهُ عَارِضٌ تُمْكِنُ إِزَالَتُهُ بِمَا أَرْشَدَ اللهُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: أَمْرٌ بِالصَّبْرِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُ: حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى مَا تَكْرَهُ. وَنَقُولُ بِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ: هُوَ احْتِمَالُ الْمَكْرُوهِ بِنَوْعٍ مِنَ الرِّضَى وَالِاخْتِيَارِ وَالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ كَمَا يَقُولُ الْعَامَّةُ فِي أَمْثَالِهِمْ. . . وَذَكَرَ مَثَلًا بِمَعْنَى قَوْلِ الشَّاعِرِ:
صَبَرْتُ وَلَا وَاللهِ مَا لِيَ طَاقَةٌ ... عَلَى الصَّبْرِ، وَلَكِنِّي صَبَرْتُ عَلَى الرَّغْمِ
وَالصَّبْرُ الْحَقِيقِيُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى التَّسْلِيمِ يَحْصُلُ بِتَذَكُّرِ وَعْدِ اللهِ - تَعَالَى - بِالْجَزَاءِ الْحَسَنِ لِلصَّابِرِينَ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي تَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ، وَعَنِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَصْبُو إِلَيْهَا، وَبِتَذَكُّرِ أَنَّ الْمَصَائِبَ مِنْ فِعْلِ اللهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي خَلْقِهِ؛ فَيَجِبُ الْخُضُوعُ لَهُ وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِهِ، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِ هَذَا الصَّبْرِ أَنَّهُ يَقِي الْإِنْسَانَ مِنَ الْخُسْرَانِ مَتَى حَسُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا تُفِيدُهُ سُورَةُ (الْعَصْرِ) وَيُؤَيِّدُهُ الِاخْتِبَارُ، وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ " مَنْ صَبَرَ ظَفِرَ " وَرُبَّمَا أَتَيْنَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعْنَى الصَّبْرِ وَأَنَّهُ قُوَّةٌ مَنْ قُوَى النَّفْسِ
تُدْخِلَ النِّظَامَ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّبْرِ تَكُونُ بِالِالْتِفَاتِ إِلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي تَأْفِكُ النَّاسَ وَتَصْرِفُهُمْ عَنْ صِرَاطِ الشَّرِيعَةِ كَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَالْوَلُوعِ بِاللَّذَّاتِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْمُؤَلِّمَاتِ، ثُمَّ الْقِيَاسِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا رَغِبَ اللهُ فِيهِ، أَوْ أَوْعَدَ بِالْعِقَابِ عَلَى فِعْلِهِ، بِمُلَاحَظَةِ أَنَّ مَا أَوْعَدَ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ أَوْلَى بِأَنْ يُتَّقَى، وَمَا وَعَدَ بِهِ أَوْلَى بِأَنْ يُرْجَى وَيُطْلَبُ، وَضَرَبَ الْأُسْتَاذُ لِمَنْ يَفْقِدُونَ الصَّبْرَ فَيَقَعُونَ فِي الْخُسْرَانِ مَثَلًا: صَاحِبُ الْحَاجَةِ يَهُزُّهُ الطَّيْشُ وَالتَّسَرُّعُ إِلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَيَفْقِدُ الصَّبْرَ عَلَى مَرَارَتِهَا فَيَكْذِبُ لِاعْتِقَادِ أَنَّ حَاجَتَهُ تُقْضَى فَيَدْفَعُ الْمَضَرَّةَ أَوْ يَجْلِبُ الْمَنْفَعَةَ بِالْكَذِبِ، وَأَنَّهُ بِالصِّدْقِ يَفُوتُهُ هَذَا، فَيَقْتَرِفُ جَرِيمَةَ الْكَذِبِ لِهَذَا الِاعْتِقَادِ، وَهُوَ ظَانٌّ بَلْ وَاهِمٌ، وَمَتَى اقْتَرَفَهُ مَرَّةً هَانَ عَلَيْهِ، فَيَعُودُ إِلَيْهِ فَيَكُونُ كَذَّابًا (وَمَتَى عُرِفَ بِذَلِكَ ضَاعَتِ الثِّقَةُ بِهِ وَفَسَدَ حَالُهُ، وَأَصْبَحَ يَجِدُ الْحَاجَةَ إِلَى الصِّدْقِ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ مِنْهَا إِلَى الْكَذِبِ) وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ حَدِيثُ ((لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا)) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِذَا ذُكِّرَ مِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ تَذَكَّرَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ الْوَعِيدَ عَلَى الْكَذِبِ وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللهِ وَآثَارٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَمَا يَجْلِبُهُ لِصَاحِبِهِ مِنْ مَقْتِ اللهِ وَغَضَبِهِ، يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِهِ الْمُكَفِّرَاتُ (وَمِثْلُهَا الشَّفَاعَاتُ وَسَعَةُ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ) كَالِاسْتِغْفَارِ قَبْلَ النَّوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَقَوْلُ كَذَا مِنَ الذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً فَلَا يَبْقَى لِلْوَعِيدِ مَعَهَا أَثَرٌ، إِذْ يُذْعِنُ بِأَنَّ ذَنْبَهُ يُغْفَرُ لَا مَحَالَةَ، وَيَنْسَى سَبَبَ الْمَغْفِرَةِ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ وَالرُّجُوعُ إِلَى اللهِ - تَعَالَى -،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 248
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست