responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 247
شَخْصًا نَصَحَ لَهُ أَلَّا يَمْشِيَ مَعَهُ، وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَى طَرِيقِ الْهُدَى الَّذِي تَرَكَهُ، أَوْ مَثَلِ سَاغِبٍ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْمَائِدَةِ الشَّهِيَّةِ، وَيَبِيتُ عَلَى الْجُوعِ وَالطَّوَى، أَوْ صَادٍ يَدُلُّ الْعِطَاشَ عَلَى مَوْرِدِ الْمَاءِ وَلَا يَرِدُ مَعَهُمْ.
إِذَا كَانَ هَذَا لَا يَقَعُ مِنْ صَحِيحِ الْعَقْلِ فَكَذَلِكَ أَمْرُ الْمُؤْمِنِ بِشُعَبِ الْإِيمَانِ وَعَدَمِ الِائْتِمَارِ بِهَا، مَعَ تَذَكُّرِهَا وَتِلَاوَةِ كَلَامِ اللهِ فِيهَا، فَلَا بُدَّ لِتَعْقِلَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْوَعْدِ عَلَى الْبِرِّ وَالْوَعِيدِ عَلَى الْفُجُورِ غَيْرُ يَقِينِيٍّ عِنْدَ الْآمِرِ الْمُخَالِفِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عُقَلَاءَ فِي كَسْبِ الْمَالِ وَحِفْظِ الْجَاهِ الدُّنْيَوِيِّ وَإِنَّمَا ضَلُّوا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ بِأَخْذِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ.
الْخِطَابُ عَامٌّ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانَ هَذَا حَالَهُمْ، وَعِبْرَةٌ لِغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ مُنْبِئٌ عَنْ حَالٍ طَبِيعِيَّةٍ لِلْأُمَمِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الطَّوْرِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْقُرْآنُ هِدَايَةً لِلْعَالَمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، لَا حِكَايَةَ تَارِيخٍ يُقْصَدُ بِهَا هِجَاءَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ، فَلْتُحَاسِبْ أُمَّةٌ نَفْسَهَا فِي أَفْرَادِهَا وَمَجْمُوعِهَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ حَالُهَا كَحَالِ مَنْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهِمْ، فَيَكُونَ حُكْمُهَا عِنْدَ اللهِ كَحُكْمِهِمْ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ، لَا لِمُحَابَاةِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَقْوَامِ أَوْ مُعَادَاتِهِمْ.
(فَإِنْ قِيلَ) : إِنَّ مَنْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِالْبَرِّ وَيَنْسَى نَفْسَهُ قَدْ يَكُونُ مُتَّكِلًا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ عَلَى الشَّفَاعَاتِ وَالْمُكَفِّرَاتِ، كَالْأَذْكَارِ وَالصَّدَقَاتِ، لَا أَنَّهُ يَتْرُكُ لِعَدَمِ الْيَقِينِ فِي الْإِيمَانِ، وَإِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْبَرِّ مَعَ هَذَا فَذَاكَ لِأَنَّهُ يُلَاحِظُ الْمُكَفِّرَاتِ فِي شَأْنِ نَفْسِهِ وَلَا يُلَاحِظُهَا فِي شَأْنِ غَيْرِهِ (نَقُولُ) : إِنَّ الْعَالِمَ بِالدِّينِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ اللهِ - تَعَالَى - وَاحِدٌ عَامٌّ، فَكَيْفَ يُحَتِّمُ الْبِرَّ عَلَى غَيْرِهِ وَيُوهِمُهُ أَنَّهُ لَا يُقَرِّبُهُ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ،
وَيُبْعِدُهُ عَنْ سَخَطِهِ إِلَّا هُوَ، وَيَنْسَى نَفْسَهُ فَلَا يُحَتِّمُ عَلَيْهَا ذَلِكَ؟ ثُمَّ كَيْفَ يَجْهَلُ أَنَّ الشَّفَاعَاتِ وَالْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ الَّتِي وَرَدَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُثَبِّطَةً عَنْ عَمَلِ الْبِرِّ أَوْ سَبَبًا لِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَقْصُودِ مِنَ الدِّينِ؟ فَهَلْ يَكُونُ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ هَادِمًا لِأُصُولِهِ وَسَائِرِ فُرُوعِهِ؟ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنِ الْعَالِمِ بِالدِّينِ الَّذِي يَتْلُو كِتَابَ اللهِ - تَعَالَى -، وَلَكِنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ الْخِذْلَانِ يَعْرِضُ لِأَرْبَابِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ فَسَادِ حَالِ الْأُمَمِ، فَنَبَّهَ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ بِهَذَا التَّعْبِيرِ اللَّطِيفِ وَهُوَ نِسْيَانُ النَّفْسِ مَعَ تِلَاوَةِ الْكِتَابِ، فَكَأَنَّ الزَّاعِمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْإِيمَانِ، نَسِيَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَزْعُمُ الْإِيمَانَ، وَصَاحِبُ هَذَا النِّسْيَانِ يَمْضِي فِي الْعَمَلِ الْقَبِيحِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ بَلِ انْبِعَاثًا مَعَ الْحُظُوظِ وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي حَكَّمَهَا فِي نَفْسِهِ، وَمَلَّكَهَا زِمَامَ عَقْلِهِ وَحِسِّهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُلَاحِظُهَا فِي غَيْرِهِ مَا يَعْرِضُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ السَّيِّئَ أَوْ يَرَاهُ مُعْرِضًا عَنْ عَمَلِ الْبِرِّ؛ وَلِذَلِكَ يَعِظُهُ وَيَذُمُّهُ.
بَعْدَ مَا بَيَّنَ سُوءَ حَالِهِمْ، وَأَنَّ عَقْلَهُمْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ وَالْكِتَابَ لَمْ يُذَكِّرْهُمْ، أَرْشَدَهُمْ إِلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى لِلْانْتِفَاعِ بِالْكِتَابِ وَالْعَقْلِ، وَالْعَمَلِ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ السَّيِّئَ الَّذِي سَبَبُهُ نِسْيَانُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 247
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست