responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 24
دَائِمًا مَلُومًا مِنْ نَفْسِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ الْحَقِّ، وَهَذَا اللَّوْمُ يُزَلْزِلُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْبَاطِلِ.
كَانَ الْبَدَوِيُّ رَاعِي الْغَنَمِ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ فَيَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا لِمَا عِنْدَهُ مِنْ رِقَّةِ الْإِحْسَاسِ وَلُطْفِ الشُّعُورِ، فَهَلْ يُقَاسُ هَذَا بِأَيِّ مُتَعَلِّمٍ الْيَوْمَ؟ أَرَأَيْتَ أَهْلَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، كَيْفَ انْضَوَوْا إِلَى الْإِسْلَامِ بِجَاذِبِيَّةِ الْقُرْآنِ لِمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دِقَّةِ الْفَهْمِ، الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ الِانْجِذَابِ إِلَى الْحَقِّ؟ ! وَأَشَارَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَا إِلَى الْبِنْتِ الْأَعْرَابِيَّةِ الَّتِي فَطِنَتْ لِاشْتِمَالِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ عَلَى أَمْرَيْنِ وَنَهْيَيْنِ وَبِشَارَتَيْنِ. وَمُجْمَلُ الْخَبَرِ أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ بِنْتًا مِنَ الْأَعْرَابِ خُمَاسِيَّةً أَوْ سُدَاسِيَّةً تُنْشِدُ:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِذَنْبِي كُلِّهِ ... قَتَلْتُ إِنْسَانًا بِغَيْرِ حِلِّهِ
مِثْلَ غَزَالٍ نَاعِمٍ فِي دَلِّهِ ... وَانْتَصَفَ اللَّيْلُ وَلَمْ أُصَلِّهِ
فَقُلْتُ لَهَا: قَاتَلَكِ اللهُ مَا أَفْصَحَكِ، فَقَالَتْ: وَيَحَكَ أَيُعَدُّ هَذَا فَصَاحَةً مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (28: 7) فَجَمَعَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَنَهْيَيْنِ وَبِشَارَتَيْنِ.
لَمَّا رَأَى عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ تَأْثِيرَ الْقُرْآنِ فِي جَذْبِ قُلُوبِ النَّاسِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُحْفَظُ إِلَّا بِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَرَبُ قَدِ اخْتَلَطُوا بِالْعَجَمِ، وَفَهِمَ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَعَاجِمِ مَا فَهِمَهُ عُلَمَاءُ الْعَرَبِ أَجْمَعَ كُلٌّ عَلَى وُجُوبِ حِفْظِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَدَوَّنُوا لَهَا الدَّوَاوِينَ وَوَضَعُوا لَهَا الْفُنُونَ، نَعَمْ إِنَّ الِاشْتِغَالَ بِلُغَةِ الْأُمَّةِ وَآدَابِهَا فَضِيلَةٌ فِي نَفْسِهِ وَمَادَّةٌ مِنْ مَوَادِّ حَيَاتِهَا، وَلَا حَيَاةَ لِأُمَّةٍ مَاتَتْ لُغَتُهَا. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَحْدَهُ هُوَ
الْحَامِلَ لِسَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى حِفْظِ اللُّغَةِ بِمُفْرَدَاتِهَا وَأَسَالِيبِهَا وَآدَابِهَا، وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا.
أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ كِتَابًا فِي الْفِرَقِ خَتَمَهُ بِذِكْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَزَايَاهُمْ، وَعَدَّ مِنْ فَضَائِلِهِمُ الَّتِي امْتَازُوا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْفِرَقِ: التِّبْرِيزَ فِي اللُّغَةِ وَآدَابِهَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِأَجْلَى بَيَانٍ. فَأَيْنَ هَذِهِ الْمَزَايَا الْيَوْمَ؟ وَأَيْنَ آثَارُهَا فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ؟ بَلْ فَهْمِ مَا دُونَهُ مِنَ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ! وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْحَاجَةِ فِي التَّفْسِيرِ إِلَى تَحْصِيلِ مَلَكَةِ الذَّوْقِ الْعَرَبِيِّ، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَهْمُ الْقُرْآنِ اهـ.
أَقُولُ الْآنَ: إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ حُجَّةُ اللهِ الْبَالِغَةُ عَلَى دِينِهِ الْحَقِّ، فَلَا بَقَاءَ لِلْإِسْلَامِ إِلَّا بِفَهْمِ الْقُرْآنِ فَهْمًا صَحِيحًا، وَلَا بَقَاءَ لِفَهْمِهِ إِلَّا بِحَيَاةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فِي بَعْضِ بِلَادِ الْأَعَاجِمِ فَإِنَّمَا بَقَاؤُهُ بِوُجُودِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا يَكْفِي لِرَدِّ الشُّبُهَاتِ عَنِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ، وَبِبَقَاءِ ثِقَةِ الْعَامَّةِ بِهِمْ وَبِمَا يَقُولُونَهُ تَقْلِيدًا لَهُمْ فِيهِ، أَوْ بِعَدَمِ عُرُوضِ الشُّبَهِ لَهُمْ مِنْ دُعَاةِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 24
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست