responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 23
يَسْأَلُنَا هَلْ بَلَغَتْكُمُ الرِّسَالَةُ؟ هَلْ تَدَبَّرْتُمْ مَا بُلِّغْتُمْ؟ هَلْ عَقَلْتُمْ مَا عَنْهُ نُهِيتُمْ وَمَا بِهِ أُمِرْتُمْ؟ وَهَلْ عَمِلْتُمْ بِإِرْشَادِ الْقُرْآنِ، وَاهْتَدَيْتُمْ بِهَدْيِ النَّبِيِّ وَاتَّبَعْتُمْ سُنَّتَهُ؟ عَجَبًا لَنَا نَنْتَظِرُ هَذَا السُّؤَالَ وَنَحْنُ فِي هَذَا الْإِعْرَاضِ عَنِ الْقُرْآنِ وَهَدْيِهِ، فَيَا لَلْغَفْلَةِ وَالْغُرُورِ ‌.
مَعْرِفَتُنَا بِالْقُرْآنِ كَمَعْرِفَتِنَا بِاللهِ تَعَالَى: أَوَّلُ مَا يُلَقَّنُ الْوَلِيدُ عِنْدَنَا مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى، هُوَ اسْمُ " اللهِ " تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَتَعَلَّمُهُ بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ كَقَوْلِهِ: وَاللهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَاللهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ يَسْمَعُ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَعِيشُ مَعَهُمْ أَنَّهُ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَلَا يَعْقِلُ مَعْنَى ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَعْرِفُ مِنْ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا يُعَظِّمُهُ بِهِ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَتَرَبَّى بَيْنَهُمْ. وَذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ.
(أَحَدُهُمَا) : اعْتِقَادُ أَنَّ آيَةَ كَذَا إِذَا كُتِبَتْ وَمُحِيَتْ بِمَاءٍ وَشَرِبَهُ صَاحِبُ مَرَضِ كَذَا يُشْفَى، وَأَنَّ مَنْ حَمَلَ الْقُرْآنَ، لَا يَقْرَبُهُ جِنٌّ وَلَا شَيْطَانٌ، وَيُبَارَكُ لَهُ فِي كَذَا وَكَذَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ وَمَعْرُوفٌ لِلْعَامَّةِ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ لِلْخَاصَّةِ، وَمَعَ صَرْفِ النَّظَرِ عَنْ صِحَّةِ هَذَا
وَعَدَمِ صِحَّتِهِ نَقُولُ: إِنَّ فِيهِ مُبَالَغَةً فِي التَّعْظِيمِ عَظِيمَةً جِدًّا وَلَكِنَّهَا - وَيَا لَلْأَسَفِ - لَا تَزِيدُ عَنْ تَعْظِيمِ التُّرَابِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ الْأَضْرِحَةِ ابْتِغَاءَ هَذِهِ الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ نَفْسِهَا. أَقُولُ: وَنَحْوُ هَذَا مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْأَطْفَالِ مِنَ التَّعَاوِيذِ وَالتَّنَاجِيسِ كَالْخِرَقِ وَالْعِظَامِ وَالتَّمَائِمِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الطَّلْسَمَاتِ وَالْكَلِمَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ، الْمَنْقُولَةِ عَنْ بَعْضِ الْأُمَمِ الْوَثَنِيَّةِ، هَذَا الضَّرْبُ مِنْ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ نُسَمِّيهِ - إِذَا جَرَيْنَا عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ - عِبَادَةً لِلْقُرْآنِ لَا عِبَادَةً لِلَّهِ بِهِ.
(ثَانِيهِمَا) : الْهِزَّةُ وَالْحَرَكَةُ الْمَخْصُوصَةُ وَالْكَلِمَاتُ الْمَعْلُومَةُ الَّتِي تَصْدُرُ مِمَّنْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ، إِذَا كَانَ الْقَارِئُ رَخِيمَ الصَّوْتِ حَسَنَ الْأَدَاءِ عَارِفًا بِالتَّطْرِيبِ عَلَى أُصُولِ النَّغَمِ. وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ اللَّذَّةِ وَالنَّشْوَةِ هُوَ حُسْنُ الصَّوْتِ وَالنَّغَمِ، بَلْ أَقْوَى سَبَبٍ لِذَلِكَ هُوَ بُعْدُ السَّامِعِ عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ. وَأَعْنِي بِالْفَهْمِ مَا يَكُونُ عَنْ ذَوْقٍ سَلِيمٍ تُصِيبُهُ أَسَالِيبُ الْقُرْآنِ بِعَجَائِبِهَا، وَتَمْلِكُهُ مَوَاعِظُهُ فَتَشْغَلُهُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ. لَا أُرِيدُ الْفَهْمَ الْمَأْخُوذَ بِالتَّسْلِيمِ الْأَعْمَى مِنَ الْكُتُبِ أَخْذًا جَافًّا لَمْ يَصْحَبْهُ ذَلِكَ الذَّوْقُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ رِقَّةِ الشُّعُورِ وَلُطْفِ الْوِجْدَانِ، اللَّذَيْنِ هُمَا مَدَارُ التَّعَقُّلِ وَالتَّأَثُّرِ وَالْفَهْمِ وَالتَّدَبُّرِ.
لِهَذَا كُلِّهِ يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْجَاهِلِيَّةَ الْيَوْمَ أَشَدُّ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالضَّالِّينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ مِنْ أُولَئِكَ مَنْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ أَمْرٌ عَظِيمٌ شَرِيفٌ، نَعَمْ رُبَّمَا كَانَ إِثْمُ صَاحِبِهَا مَعَ
الْجُحُودِ أَشَدَّ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 23
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست