responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 238
(قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَلَيْسَتْ سَعَادَةُ الْإِنْسَانِ فِي حُرِّيَّةِ الْبَهَائِمِ بَلْ فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي دَائِرَةِ الشَّرْعِ وَمُحِيطِهِ، فَمَنِ اتَّبَعَ هِدَايَةَ اللهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَمَتَّعُ تَمَتُّعًا حَسَنًا، وَيَتَلَقَّى بِالصَّبْرِ كُلَّ مَا أَصَابَهُ، وَبِالطُّمَأْنِينَةِ مَا يَتَوَقَّعُ أَنْ يُصِيبَهُ فَلَا يَخَافُ وَلَا يَحْزَنُ.
يُرِيدُ: أَنَّ رَجَاءَ الْإِنْسَانِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّبِيعَةِ هُوَ الَّذِي يَقِيهِ مِنْ تَحَكُّمِ عَوَادِي الطَّبِيعَةِ فِيهِ، وَبِدُونِ ذَلِكَ الرَّجَاءِ تَتَحَكَّمُ فِيهِ أَشَدَّ مِمَّا تَتَحَكَّمُ فِي الْبَهَائِمِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْهُ طَبِيعَةً (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (4: 28) فَالْتِمَاسُ السَّعَادَةِ بِحَرِيَّةِ الْبَهَائِمِ هُوَ الشَّقَاءُ اللَّازِمُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِلَفْظِ التَّمَتُّعِ الْحَسَنِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (11: 3) الْآيَةِ، فَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ سَعَادَةَ الدُّنْيَا مَعْلُولَةٌ لِلْاهْتِدَاءِ بِالدِّينِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ حَجَبَهَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُمْ فِي الْكَافِرِينَ: لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ، يُغَالِطُونَ أَنْفُسَهُمْ بِحُجَّةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ، وَآيَاتُ سُورَةِ طَهَ فِي قِصَّةِ آدَمَ أَوْضَحُ فِي الْمُرَادِ مِنْ آيَاتِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (20: 123 - 124) الْآيَاتِ.
قَالَ - تَعَالَى -: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) (أَقُولُ) : الْآيَاتُ جَمْعُ آيَةٍ وَهِيَ
كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ: الْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ، قَالَ الرَّاغِبُ: وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ظَاهِرٍ مُلَازِمٌ لِشَيْءٍ بَاطِنٍ يُعْرَفُ بِهِ، وَيُدْرَكُ بِإِدْرَاكِهِ حِسِّيًّا كَانَ كَأَعْلَامِ الطُّرُقِ وَمَنَارِ السُّفُنِ، أَوْ عَقْلِيًّا كَالدَّلَائِلِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ وَنَتِيجَةٍ اهـ بِالْمَعْنَى (قَالَ) : وَاشْتِقَاقُ الْآيَةِ إِمَّا مِنْ أَيْ فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي تُبَيِّنُ أَيًّا مِنْ أَيْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّأَيِّي الَّذِي هُوَ التَّثَبُّتُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ اهـ. أَقُولُ: بَلْ أَصْلُهُ قَصْدُ آيَةِ الشَّيْءِ أَيْ شَخْصِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَتَأَيَّا الطَّيْرُ غُدْوَتَهُ ... ثِقَةً بِالشِّبَعِ مِنْ جُزُرِهِ
أَيْ تَتَحَرَّى الطَّيْرُ وَتَقْصِدُ خُرُوجَهُ صَبَاحًا إِلَى الْقِتَالِ أَوِ الصَّيْدِ لِثِقَتِهَا بِمَا سَبَقَ مِنَ التَّجَارِبِ بِأَنْ تَسْتَشْبِعَ مِمَّا يَتْرُكُ لَهَا مِنَ الْفَرَائِسِ.
وَأُطْلِقَتِ الْآيَةُ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ مِنَ الْأَقْسَامِ الَّتِي تَتَأَلَّفُ مِنْهَا سُوَرُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَتَفْصِلُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَاصِلَةٌ يَقِفُ الْقَارِئُ عِنْدَهَا فِي تِلَاوَتِهِ، وَيُمَيِّزُهَا الْكَاتِبُ لَهُ بِبَيَاضٍ أَوْ بِنُقْطَةٍ دَائِرَةٍ أَوْ ذَاتِ نَقْشٍ أَوْ بِالْعَدَدِ، وَالْعُمْدَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْآيَاتِ بِفَوَاصِلِهَا التَّوْقِيفُ الْمَأْثُورُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا يُدْرَكُ مِنَ النَّظْمِ، وَالْآيَاتُ تُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى هَذِهِ، وَهِيَ الْآيَاتُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ عِنْدِ اللهِ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّهَا دَلَائِلٌ لَفْظِيَّةٌ عَلَى الْعَقَائِدِ وَالْحِكَمِ وَالْأَحْكَامُ وَالْآدَابِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 238
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست