responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 237
قَالَ - تَعَالَى -: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا) أَيْ فَقَدِ انْتَهَى طَوْرُ النَّعِيمِ الْخَالِصِ وَالرَّاحَةِ الْعَامَّةِ وَادْخُلُوا فِي طَوْرٍ لَكُمْ فِيهِ طَرِيقَانِ: هُدًى وَضَلَالٌ، إِيمَانٌ وَكُفْرَانٌ، فَلَاحٌ وَخُسْرَانٌ (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) مِنْ رَسُولٍ مُرْشِدٍ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) الَّذِي أَشْرَعُهُ، وَسَلَكَ صِرَاطِي الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي أُحَدِّدُهُ (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَلَا مِمَّا يَعْقُبُهَا مِنَ الشَّقَاءِ وَالْخُسْرَانِ (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) عَلَى فَوْتِ مَطْلُوبٍ أَوْ فَقْدِ مَحْبُوبٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الصَّبْرَ وَالتَّسْلِيمَ مِمَّا يُرْضِي اللهَ - تَعَالَى - وَيُوجِبُ مَثُوبَتَهُ، وَيَفْتَحُ لِلْإِنْسَانِ بَابَ الِاعْتِبَارِ بِالْحَوَادِثِ، وَيُقَوِّيهِ عَلَى مُصَارَعَةِ الْكَوَارِثِ، فَيَكُونُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ خَيْرَ عِوَضٍ عَمَّا فَاتَهُ وَأَفْضَلَ تَعْزِيَةٍ عَمَّا فَقَدَهُ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ) : الْخَوْفُ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَلُّمِ الْإِنْسَانِ مِنْ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ يُصِيبُهُ، أَوْ تُوقِعِ حِرْمَانٍ مِنْ مَحْبُوبٍ يَتَمَتَّعُ بِهِ أَوْ يَطْلُبُهُ، وَالْحُزْنُ أَلَمٌ يُلِمُّ بِالْإِنْسَانِ إِذَا فَقَدَ مَا يُحِبُّ، وَقَدْ أَعْطَانَا اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الطُّمَأْنِينَةَ التَّامَّةَ فِي مُقَابَلَةِ مَا تُحْدِثُهُ كَلِمَةُ (اهْبِطُوا) مِنَ الْخَوْفِ مِنْ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ، وَمَا تُثِيرُهُ مِنْ كَوَامِنَ الرُّعْبِ، فَالْمُهْتَدُونَ بِهِدَايَةِ اللهِ - تَعَالَى - لَا يَخَافُونَ مِمَّا هُوَ آتٍ، وَلَا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْهُدَى يُسَهِّلُ عَلَيْهِمْ طَرِيقَ اكْتِسَابِ الْخَيْرَاتِ، وَيَعُدُّهُمْ لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ وِجْهَتَهُ، يَسْهُلُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يَسْتَقْبِلُهُ، وَيَهُونُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا أَصَابَهُ أَوْ فَقَدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُوقِنٌ بِأَنَّ اللهَ يُخْلِفُهُ فَيَكُونُ كَالتَّعَبِ فِي الْكَسْبِ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَزُولَ بِلَذَّةِ الرِّبْحِ الَّذِي يَقَعُ أَوْ يُتَوَقَّعُ.
وَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الدِّينَ يُقَيِّدُ حُرِّيَّةَ الْإِنْسَانِ وَيَمْنَعُهُ بَعْضَ اللَّذَّاتِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهَا، وَيُحْزِنُهُ الْحِرْمَانُ مِنْهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْمَأْمَنُ مِنَ الْأَحْزَانِ، وَيَكُونُ بِاتِّبَاعِهِ الْفَوْزُ وَبِتَرْكِهِ الْخُسْرَانُ؟ فَجَوَابُهُ: إِنَّ الدِّينَ لَا يَمْنَعُ مِنْ لَذَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي إِصَابَتِهَا ضَرَرٌ عَلَى مُصِيبِهَا، أَوْ عَلَى أَحَدِ إِخْوَانِهِ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ الَّذِينَ يَفُوتُهُ مِنْ مَنَافِعِ تَعَاوُنِهِمْ - إِذَا آذَاهُمْ - أَكْثَرُ مِمَّا يَنَالُهُ بِالتَّلَذُّذِ بِإِيذَائِهِمْ، وَلَوْ تَمَثَّلَتْ لِمُسْتَحِلِّ اللَّذَّةِ الْمُحَرَّمَةِ مَضَارُّهَا الَّتِي تُعْقُبُهَا فِي نَفْسِهِ وَفِي النَّاسِ، وَتَصَوَّرَ مَالَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي فَسَادِ الْعُمْرَانِ لَوْ كَانَتْ عَامَّةً، وَكَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ مُعْتَدِلَ الْفِطْرَةِ لَرَجَعَ عَنْهَا مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا كَدَرُ
فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ يُؤْمِنُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ تُدَنِّسُ الرُّوحَ فَلَا تَكُونُ أَهْلًا لِدَارِ الْكَرَامَةِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ!

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 237
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست