responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 226
الْإِلَهِيِّ وَالضِّيَاءِ الْمَلَكُوتِيِّ وَاللَّأْلَاءِ الْقُدُسِيِّ، أَوْ مَا يُمَاثِلُ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، لَمْ يَسْبِقْ لِنُفُوسِهِمْ عَهْدٌ بِمُلَاحَظَةِ جَانِبِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَكْتَحِلْ أَعْيُنُ بَصَائِرِهِمْ بِنَظْرَةٍ إِلَى مَطْلَعِ الْوُجُودِ مِنْهُ عَلَى الْخَلْقِ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ فَانٍ فِي نَفْسِهِ، وَأَنْ لَيْسَ فِي الْكَوْنِ بَاقٍ كَانَ أَوْ يَكُونُ إِلَّا وَجْهُ الْكَرِيمِ، وَأَنَّ مَا كُشِفَ مِنَ الْكَوْنِ وَمَا لَطُفَ، وَمَا ظَهَرَ مِنْهُ وَمَا بَطَنَ إِنَّمَا هُوَ فَيْضٌ مِنْ جُودِهِ، وَنِسْبَةٌ إِلَى وُجُودِهِ، وَلَيْسَ الشَّرِيفُ مِنْهُ إِلَّا مَا أَعْلَى بِذِكْرِهِ مَنْزِلَتَهُ، وَلَا الْخَسِيسُ إِلَّا مَا بَيَّنَ لَنَا بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَوَّلِ نِسْبَتَهُ، فَإِنَّ كُلَّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الْوُجُودِ فِي نَفْسِهِ
وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ، لَيْسَ شَيْءٌ أَعْلَى وَلَا أَحَطَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ - وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَدَّرَهُ - لَوْ عَرَفُوا ذَلِكَ كُلَّهُ لَأَطْلَقُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ تَجُولَ فِي تِلْكَ الشُّئُونِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى مُسْتَقَرِّ الطُّمَأْنِينَةِ، حَيْثُ لَا يُنَازِعُ الْعَقْلَ شَيْءٌ مِنْ وَسَاوِسِ الْوَهْمِ وَلَا تَجِدُ طَائِفًا مِنَ الْخَوْفِ، ثُمَّ لَا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظٍ مَكَانَ لَفْظٍ.
هَذِهِ الْقُوَى الَّتِي نَرَى آثَارَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ تَحْتَ حَوَاسِّنَا، وَقَدْ خَفِيَتْ حَقَائِقُهَا عَنَّا، وَلَمْ يَصِلْ أَدَقُّ الْبَاحِثِينَ فِي بَحْثِهِ عَنْهَا إِلَّا إِلَى آثَارٍ تَجِلُّ إِذَا كُشِفَتْ وَتَقِلُّ بَلْ تَضْمَحِلُّ إِذَا حُجِبَتْ، وَهِيَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا كَمَالُ الْوُجُودِ وَبِهَا يَنْشَأُ النَّاشِئُ وَبِهَا يَنْتَهِي إِلَى غَايَتِهِ الْكَامِلُ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى نَبِيهٍ وَلَا خَامِلٍ، أَلَيْسَتْ أَشِعَّةً مِنْ ضِيَاءِ الْحَقِّ؟ أَلَيْسَتْ أَجَلَّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ سُلْطَانِهِ؟ أَلَّا تُعَدُّ بِنَفْسِهَا مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ وَإِنْ كَانَتْ آثَارُهَا مِنْ عَالَمِ الشَّهَادَةِ؟ أَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْعُرَ الشَّاعِرُ مِنْهَا بِضَرْبٍ مِنَ الْحَيَاةِ وَالِاخْتِيَارِ خَاصٍّ بِهَا لَا نُدْرِكُ كُنْهَهُ لِاحْتِجَابِهِ بِمَا نَتَصَوَّرُهُ مِنْ حَيَاتِنَا وَاخْتِيَارِنَا؟ أَلَا تَرَاهَا تُوَافِي بِأَسْرَارِهَا مَنْ يَنْظُرُ فِي آثَارِهَا وَيُوَفِّيهَا حَقَّ النَّظَرِ فِي نِظَامِهَا؟ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الْخَيْرِ بِمَا يَقِفُ عَلَيْهِ مِنْ شُئُونِهَا، وَمَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ إِلَى اسْتِدْرَارِ مَنَافِعِهَا؟ .
أَلَيْسَ الْوُجُودُ الْإِلَهِيُّ الْأَعْلَى مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَآثَارُهُ فِي خَلْقِهِ مِنْ عَالَمِ الشَّهَادَةِ؟ أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي وَهَبَ تِلْكَ الْقُوَى خَوَاصَّهَا وَقَدَّرَ لَهَا آثَارَهَا؟ لِمَ لَا نَقُولُ أَيُّهَا الْغَافِلُ: إِنَّهُ بِذَلِكَ وَهَبَهَا حَيَاتَهَا الْخَاصَّةَ بِهَا، وَلِمَ قَصَرْتَ مَعْنَى الْحَيَاةِ عَلَى مَا تَرَاهُ فِيكَ وَفِي حَيَوَانٍ مِثْلِكَ؟ !
مَعَ أَنَّكَ لَوْ سُئِلْتَ عَنْ هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ فَهِمْتَهُ وَسَمَّيْتَهُ حَيَاةً لَمْ تَسْتَطِعْ لَهُ تَعْرِيفًا وَلَا لِفِعْلِهِ تَصْرِيفًا! لَا تَقُولُ كَمَا قَالَ اللهُ وَبِهِ نَقُولُ: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمِنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (17: 44) ؟
أَفَلَا تَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ وَمَلَائِكَةً فِي السَّمَاءِ؟ هَلْ عَرَفْتَ أَيْنَ تَسْكُنُ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ؟ وَهَلْ حَدَّدْتَ أَمْكِنَتَهَا وَرَسَمْتَ مَسَاكِنَهَا؟ وَهَلْ عَرَفْتَ أَيْنَ يَجْلِسُ مَنْ يَكُونُ مِنْهُمْ عَنْ يَمِينِكَ؟ وَمَنْ يَكُونُ عَنْ يَسَارِكَ؟ هَلْ تَرَى أَجْسَامَهُمُ النُّورَانِيَّةَ تُضِئُ لَكَ فِي الظَّلَامِ أَوْ تُؤْنِسُكَ إِذَا هَجَمَتْ عَلَيْكَ الْأَوْهَامُ؟ فَلَوْ رَكَنْتَ إِلَى أَنَّهَا قُوًى أَوْ أَرْوَاحٌ مُنْبَثَّةٌ فِيمَا حَوْلَكَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 226
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست