responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 225
كَثِيرُونَ، وَضَلَّ بِهِ آخَرُونَ فَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ قُوًى لَا تَعْقِلُ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ كِتَابَةً بِمَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ:
(وَلَسْتُ أُحِيطُ عِلْمًا بِمَا فَعَلَتِ الْعَادَةُ وَالتَّقَالِيدُ فِي أَنْفُسِ بَعْضِ مَنْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُتَشَدِّدِينَ فِي الدِّينِ إِذْ يَنْفِرُونَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي كَمَا يَنْفِرُ الْمَرْضَى أَوِ الْمُخَدَّجُونَ مِنْ جَيِّدِ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي لَا تَضُرُّهُمْ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا قِوَامُ بِنْيَتِهِمْ، وَيَتَشَبَّثُونَ بِأَوْهَامٍ مَأْلُوفَةٍ لَهُمْ تَشَبُّثَ أُولَئِكَ الْمَرْضَى وَالْمُخَدَّجِينَ بِأَضَرِّ طَعَامٍ يُفْسِدُ الْأَجْسَامَ وَيَزِيدُ السَّقَامَ، لَا أَعْرِفُ مَا الَّذِي فَهِمُوهُ مِنْ لَفْظِ رُوحٍ أَوْ مَلَكٍ، وَمَا الَّذِي يَتَخَيَّلُونَهُ مِنْ مَفْهُومِ لَفْظِ قُوَّةٍ، أَلَيْسَ الرُّوحُ فِي الْآدَمِيِّ مَثَلًا هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا فِي أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالْوِجْدَانِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ، وَإِذَا سُلِبُوهُ سُلِبُوا مَا يُسَمَّى بِالْحَيَاةِ؟ أَوَلَيْسَتِ الْقُوَّةُ هِيَ مَا تَصْدُرُ عَنْهُ الْآثَارُ فِيمَنْ وُهِبَتْ لَهُ، فَإِذَا سُمِّيَ الرُّوحُ لِظُهُورِ أَثَرِهِ قُوَّةً، أَوْ سُمِّيَتِ الْقُوَّةُ لِخَفَاءِ حَقِيقَتِهَا رُوحًا فَهَلْ يَضُرُّ ذَلِكَ بِالدِّينِ أَوْ يَنْقُصُ مُعْتَقِدُهُ شَيْئًا مِنَ الْيَقِينِ؟ .
أَلَّا لَا يُسَمَّى الْإِيمَانُ إِيمَانًا حَتَّى يَكُونَ إِذْعَانًا، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يَسْتَسْلِمَ الْوِجْدَانُ وَتَخْشَعَ الْأَرْكَانُ لِذَلِكَ السُّلْطَانِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْإِيمَانُ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يُلْقِيَ الْوَهْمُ سِلَاحَهُ وَيَبْلُغَ الْعَقْلُ فَلَاحَهُ، وَهَلْ يُسْتَكْمَلُ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ مَا يُمْكِنُهُ فَهْمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ عِلْمُهُ؟ كَلَّا إِنَّمَا يَعْرِفُ الْحَقُّ أَهْلَهُ وَلَا يَضِلُّ سُبُلَهُ، وَلَا يَعْرِفُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ، لَوْ أَنَّ مِسْكِينًا مِنْ عَبَدَةِ الْأَلْفَاظِ مِنْ أَشَدِّهِمْ ذَكَاءً وَأَذْرَبِهِمْ لِسَانًا أَخَذَ بِمَا قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَجْسَامٌ نُورَانِيَّةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّشَكُّلِ،
ثُمَّ تَطَلَّعَ عَقْلُهُ إِلَى أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى نُورَانِيَّةِ الْأَجْسَامِ، وَهَلِ النُّورُ وَحْدَهُ لَهُ قِوَامٌ يَكُونُ بِهِ شَخْصًا مُمْتَازًا بِدُونِ أَنْ يَقُومَ بِجِرْمٍ آخَرَ كَثِيفٍ ثُمَّ يَنْعَكِسُ عَنْهُ كَذُبَالَةِ الْمِصْبَاحِ أَوْ سِلْكِ الْكَهْرَبَاءِ، وَمَعْنَى قَابِلِيَّةِ التَّشَكُّلِ، وَهَلْ يُمْكِنُ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَنْ يَتَقَلَّبَ فِي أَشْكَالٍ مِنَ الصُّوَرِ مُخْتَلِفَةٍ حَسْبَمَا يُرِيدُ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ، أَلَا يَقَعُ فِي حَيْرَةٍ؟ وَلَوْ سُئِلَ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ مِنْ ذَلِكَ أَلَا يُحْدِثُ فِي لِسَانِهِ مِنَ الْعُقَدِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ حَلَّهُ؟ أَلَيْسَ مِثْلُ هَذِهِ الْحَيْرَةِ يُعَدُّ شَكًّا؟ نَعَمْ لَيْسَتْ هَذِهِ الْحَيْرَةُ حَيْرَةَ مَنْ وَقَفَ دُونَ أَبْوَابِ الْغَيْبِ يَطْرِفُ لِمَا لَا يَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَيْهِ، لَكِنَّهَا حَيْرَةُ مَنْ أَخَذَ بِقَولٍ لَا يَفْهَمُهُ، وَكَلَّفَ نَفْسَهُ عِلْمَ مَا لَا تَعْلَمُهُ. فَلَا يُعَدُّ مِثْلُهُ مِمَّنْ آمَنَ بِالْمَلَائِكَةِ إِيمَانًا صَحِيحًا وَاطْمَأَنَّتْ بِإِيمَانِهِ نَفْسُهُ وَأَذْعَنَ لَهُ قَلْبُهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِوَهْمِهِ سِلَاحٌ يُنَازِعُ بِهِ عَقْلَهُ، كَمَا هُوَ شَأْنُ صَاحِبِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ.
فَلْيَرْجِعْ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي وَقَرَ فِيهَا تَقَالِيدُ حُفَّتْ بِالْمَخَاوِفِ، لَا عُلُومٌ حُفَّتْ بِالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، هَؤُلَاءِ لَمْ يُشْرِقْ فِي نُفُوسِهِمْ ذَلِكَ السِّرُّ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالنُّورِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 225
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست