responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 202
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
وَصَفَ الضَّالِّينَ بِالْفُسُوقِ، ثُمَّ بَيَّنَ مِنْ حَالِ فُسُوقِهِمْ نَقْضَ الْعَهْدِ الْمُوَثَّقِ، وَقَطْعَ مَا يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ، وَالْإِفْسَادَ فِي الْأَرْضِ، وَسَجَّلَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمُ الْخُسْرَانَ وَحَصَرَهُمْ فِي مَضِيقِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ رَجَعَ عَنْ فُسُوقِهِ (أَقُولُ) : فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِإِسْنَادِ الْإِضْلَالِ إِلَيْهِ - تَعَالَى - فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بَيَانُ سُنَّتِهِ - تَعَالَى - فِي أَصْحَابِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ مِنَ الْفُسَّاقِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَضِلُّونَ حَتَّى بِمَا هُوَ سَبَبٌ مِنْ أَشَدِّ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ تَأْثِيرًا وَهُوَ الْمَثَلُ الْمَذْكُورُ بِسَبَبِ رُسُوخِهِمْ فِي الْفِسْقِ وَنَقْضِهِمْ لِلْعَهْدِ. . . إِلَخْ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ - تَعَالَى - خَلَقَ الضَّلَالَ فِيهِمْ خَلْقًا وَأَجْبَرَهُمْ عَلَيْهِ إِجْبَارًا.
الْعَهْدُ هُنَا لَفْظٌ مُجْمَلٌ لَمْ يَتَقَدَّمِ الْآيَاتِ مَا يُشْعِرُ بِهِ، وَلَمْ يَتْلُ فِيمَا تَلَاهَا مَا يُبَيِّنُهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ لَيْسَ فِي سَابِقِ الْآيَاتِ وَلَا فِي لَاحِقِهَا مَا يُفَسِّرُهُ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ، فَمَا الْمَعْنَى الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْهُمَا إِلَى أَفْهَامِ الْمُخَاطَبِينَ، وَيَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَالِ أُولَئِكَ الْفَاسِقِينَ، الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى اللهِ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا يُقْتَدَى بِهِ
مِنَ الْبَشَرِ أَوْ مِنَ الْعَرَبِ، أَوِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْوَحْيَ لِمَجِيءِ الْأَمْثَالِ الْقَوْلِيَّةِ فِيهِ بِمَا يُعَدُّ حَقِيرًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي عُرْفِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَظَرِّفِينَ مِنْهُمْ؟ دَلَّ ذِكْرُ الْعَهْدِ وَالسُّكُوتُ عَمَّا يُفَسِّرُهُ، وَإِطْلَاقُ مَا أَمَرَ اللهُ بِأَنْ يُوصَلَ بِدُونِ بَيَانٍ مَا يُفَصِّلُهُ، عَلَى أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - مَا وَصَفَهُمْ إِلَّا بِمَا هُمْ مُتَّصِفُونَ بِهِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى بَيَانِ الْمُجْمَلِ بِالْقَوْلِ إِذَا كَانَ الْوُجُودُ قَدْ تَكَفَّلَ بِبَيَانِهِ، وَالْوَاقِعُ قَدْ فَسَّرَهُ بِلِسَانِهِ، وَيُرْشِدُ إِلَى فَهْمِ الْعَهْدِ الْإِلَهِيِّ هُنَا مَا قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الْفُسُوقِ، فَإِنَّ الْفَاسِقِينَ هُمُ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْفُسُوقِ: الْخُرُوجَ عَنْ سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي خَلْقِهِ الَّتِي هَدَاهُمْ إِلَيْهَا بِالْعَقْلِ وَالْمَشَاعِرِ، وَعَنْ هِدَايَةِ الدِّينِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوهُ خَاصَّةً، فَعَهْدُ اللهِ - تَعَالَى - هُوَ مَا أَخَذَهُمْ بِهِ بِمَنْحِهِمْ مَا يَفْهَمُونَ بِهِ هَذِهِ السُّنَنَ الْمَعْهُودَةَ لِلنَّاسِ بِالنَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَالتَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ، أَوِ الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ الْمُرْشِدَةِ إِلَيْهَا وَهِيَ عَامَّةٌ، وَالْحُجَّةُ بِهَا قَائِمَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ وُهِبَ نِعْمَةَ الْعَقْلِ وَبَلَغَ سِنَّ الرُّشْدِ سَلِيمَ الْحَوَاسِّ، وَنَقْضُهُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْمَوَاهِبِ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا حَتَّى كَأَنَّهُمْ فَقَدُوهَا وَخَرَجُوا مِنْ حُكْمِهَا كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبَصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (7: 179) وَكَمَا قَالَ أَيْضًا: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (2: 171) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 202
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست