responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 178
الْخَاصَّةِ بِالتَّارِيخِ، وَلَيْسَ التَّارِيخُ - مِنْ حَيْثُ هُوَ تَارِيخٌ وَاحِدٌ - مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي تُطْلَبُ مِنَ الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ بِقَصْدِ سَرْدِ حَوَادِثِ التَّارِيخِ، وَإِنَّمَا جَاءَ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ أُمَمِ الرُّسُلِ لِلْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَبَيَانِ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ وَالْأَقْوَامِ، وَتَثْبِيتِ قَلْبِ خَاتَمِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِنْهُ لِبَيَانِ حَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ فِي أَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي سِيَاقِ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ إِلَخْ.
وَقَدْ تَضَمَّنَ كُلٌّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ بِدِقَّةِ التَّعْبِيرِ وَإِعْجَازِ الْبَيَانِ آيَاتٍ أُخْرَى تَظْهَرُ آنًا بَعْدَ آنٍ، دَالَّةً عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَكَوْنِهِ وَحْيًا مِنَ الرَّحْمَنِ، فَكِتَابُهُ تَعَالَى مَظْهَرٌ لِقَوْلِهِ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (55: 29) .
أَكْتَفِي مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي لَهُ عَلَاقَةٌ بِالتَّارِيخِ بِمَسْأَلَةٍ عَظِيمَةِ الشَّأْنِ تَشْتَمِلُ عَلَى شَوَاهِدَ كَثِيرَةٍ مِنْهُ، وَهِيَ حُكْمُ الْقُرْآنِ الْحَقِّ عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ اللَّذَيْنِ كَانَ يَدِينُ اللهُ تَعَالَى بِهِمَا أَعْظَمَ شُعُوبِ الْأَرْضِ مَكَانَةً فِي الْعَالِمِ وَأَوْسَعَهُمْ عِلْمًا وَحَضَارَةً، وَلَا يَزَالُ الْكَثِيرُونَ مِنْهُمْ يُقَدِّسُونَهُمَا، مَعَ بَيَانِ بَعْضِهِمْ لِمَا نَقَضَ الْعِلْمُ مِنْهَا، وَكَذَا سَائِرُ الْكُتُبِ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْ مَجْمُوعِهَا بِالْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ.
مَا هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي صَدَرَ مِنْ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ فِي حَيَاتِهِ سِفْرًا وَلَمْ يَكْتُبْ سَطْرًا، وَلَمْ يُحِطْ بِشَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ التَّارِيخِ خَبَرًا؟ مُلَخَّصُ هَذَا الْحُكْمِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَدْ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْهُ، وَنَسُوا نَصِيبًا وَحَظًّا مِنْهُ، فَلَمْ يَحْفَظُوهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يُضَيِّعُوهُ كُلَّهُ، وَأَنَّهُمْ حَرَّفُوا مَا أُوتُوهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ تَحْرِيفًا لَفْظِيًّا وَمَعْنَوِيًّا كَمَا يُفِيدُهُ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّهُمْ غَلَوْا فِي دِينِهِمْ فَزَادُوا فِيهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، وَاتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ، يُحِلُّونَ لَهُمْ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يُشَرِّعْهُ اللهُ، وَأَنَّهُمْ قَصَّرُوا فِي إِقَامَتِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَعَمِلُوا بِمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ مِنْهُ وَتَرَكُوا مَا يُخَالِفُهَا، كَمَنْ يُؤْمِنُ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَيَكْفُرُ بِبَعْضٍ، وَأَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا مُبِينًا، وَالنَّصَارَى غَلَوْا فِيهَا غُلُوًّا عَظِيمًا، فَقَالُوا: إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَقَالُوا: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) (5: 73) إِلَخْ مَا نَطَقَتْ بِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يَجِدُ الْقَارِئُ فِي تَفْسِيرِنَا هَذَا تَفْصِيلَهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا الْحَقِّ الْمُؤَيَّدِ بِالتَّارِيخِ الصَّحِيحِ، الَّذِي حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ أُورُبَّا وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الْمُصَدِّقِ لِلْقُرْآنِ الْحَكِيمِ فِي حُكْمِهِ، الَّذِي كَانَ مَجْهُولًا بِتَفْصِيلِهِ عِنْدَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 178
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست