responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 145
هَذَا هُوَ مَثَلُ الْفَرِيقِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ، الَّذِي كَانَ أَفْرَادُهُ وَلَا يَزَالُونَ فِتْنَةً لِلْبَشَرِ، وَمَرَضًا فِي الْأُمَمِ وَحُجَّةً عَلَى الدِّينِ، لِأَنَّهُمْ بِغُرُورِهِمْ بِتَقَالِيدِهِمُ الَّتِي اكْتَفَوْا بِهَا مِنْ دِينِهِمُ الْمَوْرُوثِ، يَعْبَثُونَ بِعُقُولِهِمْ، وَيَلْهُونَ بِخَيَالَاتِهِمْ، وَيَجْنُونَ عَلَى مَشَاعِرِهِمْ وَمَدَارِكِهِمْ فَيُضَعِّفُونَهَا، وَيُصَارِعُونَ الْفِطْرَةَ الْإِلَهِيَّةَ فَيَصْرَعُونَهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ كَالْجَمَادَاتِ (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَثَلِ الْأَوَّلِ، وَيَأْلَفُ الْبَعْضُ الْآخَرُ الظُّلْمَةَ بِطُولِ التَّقْلِيدِ، وَيَكُونُ أَفْرَادُهُ فِي نُورِ الْبُرْهَانِ كَالْخَفَافِيشِ فِي نُورِ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُمْ أَمْثَلُ مِنَ الْفَرِيقِ الَّذِي ضُرِبَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَوَّلُ؛
لِأَنَّ فِيهِمْ بَقِيَّةً مِنَ الرَّجَاءِ وَرَمَقًا مِنَ الْحَيَاةِ، يُوَجِّهُهُمْ إِلَى الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُورِ الْهِدَايَةِ كُلَّمَا أَضَاءَتْ لَهُمْ بُرُوقُهَا، وَالْمَشْيِ فِي الْجَادَّةِ كُلَّمَا اسْتَبَانُوا طَرِيقَهَا، وَلَكِنْ تَحُولُ دُونَ ذَلِكَ ظُلُمَاتُ التَّقَالِيدِ الْعَارِضَةُ، وَتَقِفُ فِي السَّبِيلِ عَقَبَاتُ الْبِدَعِ الْمُعَارِضَةُ، وَقَدْ يُعِدُّهُمْ لِاسْتِمَاعِ قَوَارِعِ الْآيَاتِ الَّتِي تُنْذِرُهُمْ بِمَا حَرَّفُوا، وَصَوَادِعِ الْحُجَجِ الَّتِي تُبَيِّنُ لَهُمْ كَيْفَ انْحَرَفُوا، وَلَا يَصُدُّهُمْ عَنْهَا إِلَّا أَنَّهَا تُزْعِجُهُمْ إِلَى تَرْكِ مَا صَنَّفُوا وَأَلَّفُوا، وَهَجْرِ مَا أَحَبُّوا وَأَلِفُوا، وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِسُنَّةِ الْآبَاءِ، وَقِلَّةِ الِاحْتِفَالِ بِعَظَمَةِ الرُّؤَسَاءِ، فَهُمْ يَتَرَاوَحُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَحُودِ وَأَهْلِ الْيَقِينِ (لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) ، وَلَا يَنْقَطِعُ مِنْهُمُ الْأَمَلُ، حَتَّى يَنْقَطِعَ بِهِمُ الْأَجَلُ.
أَلَا تَرَاهُمْ عِنْدَمَا يَقْرَعُ أَسْمَاعَهُمْ مِنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَ سِيرَتِهِمْ، وَالْتِوَاءَ طَرِيقَتِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النَّعْيِ عَلَى أَمْثَالِهِمْ، وَحِكَايَةِ مَا لَمْ يَرْضَهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (43: 22) إِلَخْ: وَقَوْلِهِ فِي بَيَانِ نَدَمِهِمْ عَلَى التَّقْلِيدِ، عِنْدَمَا يَحُلُّ بِهِمُ الْوَعِيدُ: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ) (33: 67) يَأْخُذُهُمُ الزِّلْزَالُ، وَيَتَوَلَّاهُمُ الِاضْطِرَابُ وَالْقَلَقُ، وَتَنْشَقُّ لَهُمُ الظُّلْمَةُ عَنْ فَلَقٍ، وَيَلْمَعُ فِي نُفُوسِهِمْ نُورُ الْهِدَايَةِ الْفِطْرِيَّةِ فَيَمْشُونَ فِيهِ خُطُوَاتٍ، ثُمَّ تُحِيطُ بِهِمُ الظُّلُمَاتُ وَيَنْقَطِعُ بِهِمُ الطَّرِيقُ كَمَا أَلْمَعْنَا آنِفًا، وَأَسْبَابُ غَلَبَةِ الظُّلُمَاتِ عَلَى النُّورِ: هِيَ مُوَافَقَةُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَالْإِخْلَادُ إِلَى الْهَوَى، وَتَفْضِيلُ عَرَضِ هَذَا الْأَدْنَى، وَانْتِظَارُ الْمَغْفِرَةِ وَلَوْ بِمَا تَأَوَّلُوهُ فِي مَعْنَى الشَّفَاعَةِ، وَتَمَنِّي الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ بِضَاعَةٍ (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) (7: 169) بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مَدْرُوسٌ بِجَدَلِيَّاتِ النَّحْوِ وَالْكَلَامِ، وَلَكِنَّهُ دَارِسُ الصُّوَى وَالْأَعْلَامِ الْمَنْصُوبَةِ لِهِدَايَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَحْلَامِ، وَمَقْرُوءٌ بِالتَّجْوِيدِ وَالْأَنْغَامِ، وَلَكِنَّهُ مَتْرُوكُ الْحُكْمِ وَالْأَحْكَامِ، يَقْرَءُونَهُ لِكَسْبِ الْحُطَامِ لَا لِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَلَا يَتْلُونَهُ لِإِصْلَاحِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَغْذِيَةِ الْإِيمَانِ، وَيَكْتُبُونَهُ لِشِفَاءِ الْأَبْدَانِ مِنَ الْأَسْقَامِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 145
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست