responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 144
(وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ) شَيْئًا. حَذَفَ مَفْعُولَ يُبْصِرُونَ إِيذَانًا بِالْعُمُومِ، أَيْ لَا يُبْصِرُونَ مَسْلَكًا مِنْ مَسَالِكِ الْهِدَايَةِ وَلَا يَرَوْنَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِهَا لِأَنَّهُ صَرَفَ عِنَايَتَهُ عَنْهُمْ بِتَرْكِهِمْ سُنَّتَهُ وَإِهْمَالِهِمْ هِدَايَتَهُ وَوَكَلَهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيَا وَيْلَ مَنْ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ وَحَرَمَهُ تَوْفِيقَهُ، نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ.
هَذَا الْمَثَلُ مَضْرُوبٌ لِفَرِيقٍ لَا تُرْجَى هِدَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ جَمِيعَ أَبْوَابِ الْهِدَايَةِ فَلَا يَثِقُ بِعُقَلِهِ وَلَا بِحَوَاسِّهِ وَلَا بِوِجْدَانِهِ إِذَا خَالَفَتْ تَقَالِيدَهُ، وَعَدَمُ الْإِبْصَارِ بِذَهَابِ النُّورِ غَيْرُ كَافٍ لِتَمْثِيلِ هَذَا الْيَأْسِ وَالْحِرْمَانِ لِجَوَازِ أَنْ يَلُوحَ بَارِقٌ أَوْ يَذَرَ شَارِقٌ أَوْ يَصِيحَ طَارِقٌ، فَتَكُونَ الْهِدَايَةُ وَتَنْكَشِفَ الْغَوَايَةُ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) أَيْ أَنَّهُمْ فَقَدُوا مَنْفَعَةَ السَّمْعِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى النَّفْسِ مَا يُلْقِيهِ
الْمُرْشِدُونَ إِلَيْهَا مِنَ الْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ، وَالدَّلَائِلِ النَّاصِعَةِ، فَلَا يُصِيخُونَ إِلَى وَعْظِ وَاعِظٍ، وَلَا يُصْغُونَ لِتَنْبِيهِ مُنَبِّهٍ ((فَمَا أَضْيَعَ الْبُرْهَانَ عِنْدَ الْمُقَلِّدِ)) بَلْ لَا يَسْمَعُونَ وَإِنْ أَصَاخُوا، وَلَا يَفْقَهُونَ وَإِنْ سَمِعُوا، فَكَأَنَّهُمْ صُمٌّ لَمْ يَسْمَعُوا وَفَقَدُوا مَنْفَعَةَ الِاسْتِرْشَادِ بِالْقَوْلِ وَطَلَبِ الْحِكْمَةِ مِنْ مَعَاهِدِهَا، فَلَا يَسْأَلُونَ بَيَانًا، وَلَا يَطْلُبُونَ بُرْهَانًا، وَفَقَدُوا خَيْرَ مَنَافِعِ الْإِبْصَارِ وَهُوَ نَظَرُ الِاسْتِفَادَةِ وَالِاعْتِبَارِ، فَلَا يَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْفِتَنِ فَيَنْزَجِرُوا، وَلَا يُبْصِرُونَ مَا تَنْقَلِبُ بِهِ أَحْوَالُ الْأُمَمِ فَيَعْتَبِرُوا، (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) عَنْ ضَلَالَتِهِمْ، وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ ظُلُمَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَفَقَدَ فِيهَا جَمِيعَ حَوَاسِّهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْمَعَ صَوْتًا يَهْتَدِي بِهِ، وَلَا أَنْ يَصِيحَ هُوَ لِيُنْقِذَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ، وَلَا أَنْ يَرَى بَارِقًا يَؤُمُّهُ وَيَقْصِدُهُ، فَهُوَ لَا يَرْجِعُ مِنْ تِيهِهِ بَلْ يَظَلُّ يَعُمُّهُ فِي الظُّلُمَاتِ حَتَّى يَفْتَرِسَهُ سَبُعٌ ضَارٍ، أَوْ يَصِلَ إِلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَيَنْهَارَ بِهِ فِي شَرِّ قَرَارِهِ (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست