responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 134
كَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولٍ وَحِزْبِهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بِالتَّشْكِيكِ فِي الدِّينِ، وَبِتَفْرِيقِ كَلِمَةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا فَعَلُوا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ثُمَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ وَإِنْ كَانَتِ الْغَزْوَتَانِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَرُوِيَ تَفْسِيرُ إِفْسَادِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ أَخَصُّ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَدَعْوَاهُمْ: أَنَّ هَذَا إِصْلَاحٌ كَدَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ، وَكُلُّ مُفْسِدٍ وَضَالٍّ يُسَمِّي إِفْسَادَهُ وَضَلَالَهُ بِأَسْمَاءٍ حَسَنَةٍ، كَمَا يُسَمُّونَ الشِّرْكَ بِاللهِ فِي زَمَانِنَا بِدُعَاءِ غَيْرِهِ: تَوَسُّلًا. . .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.
ثُمَّ صَوَّرَتِ الْآيَاتُ ذَلِكَ الْجَهْلَ وَالْغُرُورَ فِي الْفَرِيقَيْنِ بِصُورَةٍ أُخْرَى أَشَدَّ تَشْوِيهًا مِمَّا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ صُورَتُهُمْ فِي عَمَلِهِمْ، وَهَذِهِ صُورَتُهُمْ فِي جَوْهَرِ إِيمَانِهِمْ، وَهِيَ:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ) الَّذِينَ تَعْتَقِدُونَ كَمَالَهُمْ وَتَرَوْنَ تَعْظِيمَهُمْ وَإِجْلَالَهُمْ: كَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَأَتْبَاعِهِمْ، الَّذِينَ كَانَ الْإِيمَانُ رَاسِخًا فِي جَنَابِهِمْ، وَمُؤَثِّرًا فِي وِجْدَانِهِمْ، وَمُصَرِّفًا لِأَبْدَانِهِمْ، أَوْ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَمْثَالِهِ مِنْ عُلَمَائِكُمْ،
(قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ) أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالسَّفَهِ: الطَّيْشُ وَخِفَّةُ الْعَقْلِ وَضَعْفُ الرَّأْيِ وَمِنْ لَوَازِمِهِ سُوءُ التَّصَرُّفِ، وَمِنْهُ قِيلَ: زِمَامٌ سَفِيهٌ: كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ لِمَرَحِ النَّاقَةِ وَمُنَازَعَتِهَا إِيَّاهُ، وَثَوْبٌ سَفِيهٌ: رَدِيءُ النَّسْجِ، وَاسْتُعْمِلَ فِي خِفَّةِ النَّفْسِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ، وَفِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ فَقِيلَ: سَفِهَ نَفْسَهُ، وَيَعْنُونَ بِالسُّفَهَاءِ أَتْبَاعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاقِفِينَ عِنْدَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، الْمُعْرِضِينَ عَنْ غَيْرِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، لِمَا تَضَمَّنَهُ الْأَمْرُ مِنَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ كَأَتْبَاعِ أُولَئِكَ
الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُمْ سَلَفُ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانَ الْكَلَامُ مَعَهُمْ، وَكَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِمَا يَتَنَاقَلُونَهُ مِنْ سِيرَتِهِمْ فَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ) أَيْ وَحْدَهُمْ دُونَ مَنْ عَرَّضُوا بِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ سَلَفًا صَالِحًا تَرَكُوا الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ، زَعْمًا أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَدْيِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ يَصْعُبُ أَوْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اللَّحَاقُ بِهِ، وَاحْتِذَاءُ عَمَلِهِ، لِعُلُوِّهِ فِي الدَّرَجَةِ، وَبُعْدِهِ فِي الْمَنْزِلَةِ، وَأَنَّ حَظَّهُمْ مِنْ سَلَفِهِمُ انْتِظَارُ شَفَاعَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَسِيرُوا عَلَى سُنَّتِهِمْ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَجْدَرُ بِلَقَبِ السَّفِيهِ، أَهُمْ أُولَئِكَ الْيَهُودُ الَّذِينَ لَهُمْ أُسْوَةٌ صَالِحَةٌ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ بِهَا وَهَذِهِ حَالُهُمْ مِنْ سُوءِ الْعَقِيدَةِ وَقُبْحِ الْعَمَلِ؟
أَمْ مَنْ لَا سَلَفَ لَهُ إِلَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَقَلْبُهُ مَعَ ذَلِكَ مُطَمْئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَأَعْمَالُهُ تَشْهَدُ لَهُ بِالْإِحْسَانِ، كَالصَّحَابَةِ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ بِنُورِ الْإِسْلَامِ فَكَانُوا كَأَتْبَاعِ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ، بَلْ رُبَّمَا سَبَقُوهُمْ بِالْفَضَائِلِ، وَزَادُوا عَلَيْهِمْ فِي الْفَوَاضِلِ؟ لَا شَكَّ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُفْسِدِينَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ مِنْ سَلَفٍ صَالِحٍ، وَدِينٍ قَيِّمٍ، هُمُ السُّفَهَاءُ دُونَ هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءِ.
(وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) أَنَّ السَّفَهَ مَحْصُورٌ فِيهِمْ وَمَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا عِنْدُهُمْ شُعُورٌ مَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 134
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست