responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 133
لَهُمْ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِنَفْيِ الرِّيَاءِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ مَا قَالُوا هُنَا،
وَهُوَ لَا يَنْفِي رِيَاءَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَقَدْ كَانَ لِأُولَئِكَ الْأَحْبَارِ وَالرُّؤَسَاءِ مِنَ الْإِفْسَادِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ، وَمِنْهُ إِغْرَاءُ الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ وَوَعْدُهُمْ بِمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَهَذَا إِفْسَادٌ كَبِيرٌ فِي الْأَرْضِ، وَكَانُوا يَسْتَبِيحُونَهُ بِأَنَّهُ تَوَسُّلٌ إِلَى حِفْظِ سُلْطَتِهِمْ وَرِيَاسَتِهِمُ الْمُهَدَّدَةِ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا كَتَبْتُ عَنْهُ رَأْيَهُ فِيمَنْ سَأَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ مَا ذُكِرَ وَأَجَابُوهُ بِهَذَا الْجَوَابِ، هَلْ هُوَ اللهُ تَعَالَى أَوِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ الْمُؤْمِنُونَ؟ وَهِيَ الِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُفَسِّرُونَ - وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ سَأَلَ بَعْضًا لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ اخْتِلَافِ الْحَالِ وَتَبَايُنِ الْآرَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (59: 14) فَأَيُّ مَانِعٍ لِنَهْيِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ عَنْ نَكْثِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِقْرَارِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ وَحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ بِأَلَّا يُؤَلِّبُوا عَلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُسَاعِدُوهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَقُولُوا لِلنَّاكِثِينَ الْمُفْسِدِينَ: إِنَّ الْحَرْبَ فَسَادٌ عَظِيمٌ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْنَا شَرُّهَا فَيَطِيرَ مِنْ شَرَرِهَا مَا نَحْتَرِقُ بِهِ، فَدَعُوا تَأْلِيبَ قَوْمِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُ أَنْ يُجِيبَهُمْ أُولَئِكَ الْمُفْسِدُونَ كَكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ:
(إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) بِمُسَاعَدَةِ قَوْمِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّنَا نَخْشَى مِنْهُ مَا لَا نَخْشَى مِنْهُمْ، فَقَدْ عِشْنَا مَعَهُمْ أَجْيَالًا لَمْ يُنَازِعْنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي صِحَّةِ دِينِنَا، لِأَنَّهُمْ لَا يَدْعُونَ إِلَى شِرْكِهِمْ وَلَا يَحْتَقِرُونَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ، بَلْ يَرَوْنَنَا فَوْقَهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطِينَا أَوْلَادَهُ لِنُرَبِّيَهُمْ وَلَا يَكْرَهُونَ أَنْ نُلَقِّنَهُمْ دِينَنَا. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ: إِنَّنَا ضَلَلْنَا عَنْ دِينِنَا نَفْسِهِ، وَيَعِيبُنَا بِتَحْرِيفِ سَلَفِنَا وَخَلَفِنَا لِكِتَابِنَا، وَبِمَا كَانَ مِنْ مَخَازِي تَارِيخِنَا كَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَنَكْثِ الْعُهُودِ، وَأَكْلِ السُّحْتِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ الْغَلَبُ عَلَى مُشْرِكِي قَوْمِهِ، لَا نَأْمَنُ أَنْ يُبْقِيَ لَنَا دِينَنَا وَمَكَانَتَنَا السَّامِيَةَ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَإِنْ هُوَ حَفِظَ عَهْدَهُ لَنَا، وَلَمْ يَغْدِرْ فَيُقَاتِلْنَا فَكَيْفَ إِذَا هُوَ غَدَرَ بِنَا وَقَاتَلَنَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قَوْمِهِ؟ .
هَذَا أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْقُولِ مِمَّا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي السُّؤَالِ وَالسَّائِلِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَعَلَّهُ أَقْوَى.
وَهُوَ أَنَّ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ مَفْرُوضٌ وَفَرْضٌ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ حَالِهِمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ جَوَانِحُهُمْ بِصِيغَةِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى أَسَالِيبِ الْكَلَامِ تَنْبِيهًا لِلْأَذْهَانِ، وَتَوْجِيهًا لَهَا إِلَى الْإِحَاطَةِ بِمَعَانِي الْكَلَامِ، وَلِذَلِكَ يَسْتَعْمِلُهَا الْعُلَمَاءُ
فِي بَيَانِ مُهِمَّاتِ الْمَسَائِلِ وَحَلِّ عَوِيصِ الْمَشَاكِلِ، وَيَقُولُونَ: إِذَا قِيلَ كَذَا قُلْنَا كَذَا، وَإِنْ سُئِلْنَا عَنْ هَذَا أَجَبْنَا بِكَذَا، وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأُسْلُوبِ فَالْبَلَاغَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِإِذَا عَمَّا كَانَ سَبَبُهُ قَوِيًّا مِنْ شَأْنِهِ أَلَّا يُسْكَتَ عَنْهُ، وَيُصَدَّرَ بِإِنْ إِذَا كَانَ سَبَبُهُ ضَعِيفًا وَلَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ، فَيُجَابَ عَنْهُ احْتِيَاطًا.
ثُمَّ أَقُولُ: إِنَّ مَا تَقَدَّمَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فِي بَيَانِ حَالِ مُنَافِقِي الْيَهُودِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ شَيْخِنَا - وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ جَعْلُهُ فِي بَيَانِ حَالِ مُنَافِقِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْعَرَبِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 133
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست