responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 131
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ (يُكَذِّبُونَ) بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْحِكْمَةُ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ: إِثْبَاتُ جَمْعِهِمْ لِلرَّذِيلَتَيْنِ، أَيِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى الْإِيمَانِ وَتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالثَّانِيَةُ سَبَبُ الْأُولَى، وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَفِيمَا بَيْنَهُمْ إِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ، وَالْعَذَابُ عُقُوبَةٌ عَلَيْهِمَا مَعًا، أَيْ عَلَى التَّكْذِيبِ وَهُوَ الْكُفْرُ، وَعَلَى الْكَذِبِ فِي دَعْوَى الْإِيمَانِ وَهُوَ النِّفَاقُ، وَهَؤُلَاءِ فِي بَاطِنِهِمْ شَرٌّ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا عِنَادًا مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُكَذِّبُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانُوا يَجْحَدُونَ جُحُودَ اسْتِكْبَارٍ، قَالَ تَعَالَى: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (6: 33) .
قَالَ شَيْخُنَا: وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ وَالْعَذَابُ فِيهَا مَقْرُونٌ بِالْكَذِبِ لَا بِالتَّكْذِيبِ. وَقَدْ يُقَالُ: لِمَ جُعِلَ الْعَذَابُ جَزَاءَ الْكَذِبِ دُونَ الْكُفْرِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكُفْرَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا اخْتِيرَ لَفْظُ الْكَذِبِ فِي التَّعْبِيرِ لِلتَّحْذِيرِ عَنْهُ، وَبَيَانِ فَظَاعَتِهِ وَعِظَمِ جُرْمِهِ، وَلِبَيَانِ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْ مُشْتَمَلَاتِهِ وَيَنْتَهِي إِلَيْهِ فِي غَايَاتِهِ، وَلِذَلِكَ حَذَّرَ الْقُرْآنُ مِنْهُ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَسْوَأَ الْوَعِيدِ، وَمَا فَشَا الْكَذِبُ فِي قَوْمٍ إِلَّا فَشَتْ فِيهِمْ كُلُّ جَرِيمَةٍ وَكَبِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ دَنَاءَةِ النَّفْسِ وَضَعْفِ الْحَيَاءِ وَالْمُرُوءَةِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتْرُكُ قَبِيحًا إِلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ عَمَلِهِ وَمِنْهُ. اهـ. بِالْمَعْنَى، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ السُّؤَالَ لَا يَرِدُ إِلَّا عَلَى قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)
تَنْطِقُ هَذِهِ الْآيَاتُ بِأَنَّ مَا عَلَيْهِ هَذَا الصِّنْفُ مِنَ الْغُرُورِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ التَّقَالِيدِ قَدْ سُوِّلَ لَهُ الْبَاطِلُ وَزُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا، وَشُوِّهَ فِي نَظَرِهِ كُلُّ حَقٍّ لَمْ يَأْتِهِ عَلَى لِسَانِ رُؤَسَائِهِ وَمُقَلِّدِيهِ بِنَصِّهِ التَّفْصِيلِيِّ فَهُوَ يَرَاهُ قَبِيحًا، وَقَدْ صَوَّرَتِ الْآيَاتُ هَذَا الْغُرُورَ بِمَا حَكَتْهُ عَنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُوَ:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بِمَا تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مِنْ آمَنَ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا، وَتُنَفِّرُونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَخْذِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْإِصْلَاحِ الَّذِي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 131
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست