responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 130
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مَعْنَاهُ: وَلِضَعْفِ الْعَقْلِ أَسْبَابٌ:
مِنْهَا: مَا هُوَ فِطْرِيٌّ كَمَا هُوَ حَالُ أَهْلِ الْبَلَهِ وَالْعَتَهِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُكَلَّفُ صَاحِبُهُ وَلَا يُلَامُ.
وَمِنْهَا: مَا يَكُونُ مِنْ فَسَادِ التَّرْبِيَةِ الْعَقْلِيَّةِ كَمَا هُوَ حَالُ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ، وَإِنَّمَا يَكْتَفُونَ بِمَا عَلَيْهِ قَوْمُهُمْ مِنَ الْأَوْهَامِ وَالْخَيَالَاتِ، وَيَرَيْنُ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا يَكْسِبُونَهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَمَا يَكُونُونَ عَلَيْهِ مِنَ التَّقَالِيدِ وَالْعَادَاتِ، وَلَا يَعْتَنُونَ بِمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنْ تَمْزِيقِ هَذِهِ الْحُجُبِ وَإِزَالَةِ هَذِهِ السُّحُبِ، لِلْوُقُوفِ عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ مُخَدِّرَاتِ الْعِرْفَانِ وَنُجُومِ الْفُرْقَانِ وَشُمُوسِ الْإِيمَانِ، بَلْ يَكْتَفُونَ بِمَا حَكَى الله عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (43: 23) حَتَّى يَجِيءَ الْيَوْمُ الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ:
(رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ) (33: 67) .
وَأَقُولُ: إِنَّ الْمَرَضَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: خُرُوجُ الْبَدَنِ عَنِ اعْتِدَالِ مِزَاجِهِ وَصِحَّةِ أَعْضَائِهِ فَيَخْتَلُّ بِهِ بَعْضُ وَظَائِفِهَا وَأَعْمَالِهَا، وَتَعْرِضُ الْآلَامُ لَهَا، وَيُطْلَقُ مَجَازًا
عَلَى اخْتِلَالِ مِزَاجِ النَّفْسِ، وَمَا يُخِلُّ بِكَمَالِهَا مِنْ نِفَاقٍ وَجَهْلٍ، وَارْتِيَابٍ وَشَكٍّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ، وَاضْطِرَابِ حُكْمِ الْعَقْلِ وَفَسَادِ الْخَلْقِ، وَالْمَرَضُ هُنَا مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَخَصَّهُ شَيْخُنَا بِمُنَافِقِي الْيَهُودِ، فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قَبْلَ مَجِيءِ النَّذِيرِ وَبَيَانِ الرُّشْدِ مِنَ الْغَيِّ عِنْدَمَا كَانُوا فِي فَتْرَةٍ حَظُّهُمْ مِنَ الْكُتُبِ قِرَاءَةُ أَلْفَاظِهَا، وَمِنَ الْأَعْمَالِ إِقَامَةُ صُوَرِهَا.
(فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا) بَعْدَ مَا جَاءَهُمُ الْبُرْهَانُ الْمُنِيرُ بِبَعْثَةِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَوَجَدُوا مِنْهُ زَعْزَعَةً فِي أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَخَذَتْهُمُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَأَبَوُا الْإِيمَانَ، وَنَبَوَا عَنِ الْقُرْآنِ (وَزَادَ تَمَسُّكُهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ حِرْصُهُمْ عَلَيْهِ) فَكَانَ شُعَاعُ النُّورِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَمًى فِي أَعْيُنِهِمْ، وَمَرَضًا عَلَى مَرَضِهِمْ.
(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أَيْ عَذَابٌ مُؤْلِمٌ فَوْقَ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ، وَ " أَلِيمٌ " صِيغَةُ فَعِيلٍ مِنْ أَلَمَ يَأْلَمُ فَهُوَ أَلِيمٌ، وُصِفَ بِهِ الْعَذَابُ نَفْسُهُ.
(بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (فِي دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِأَعْمَالِهِمْ مَا يَزْعُمُونَهُ مِنْ حَالِهِمْ) .
أَقُولُ: وَأَمَّا مَرَضُ مُنَافِقِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْعَرَبِ فَهُوَ الشَّكُّ فِي نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ النِّفَاقُ، وَعَنْ بَعْضِ تَلَامِيذِهِ: الرِّيَاءُ، وَحَسْبُكَ فِي زِيَادَةِ مَرَضِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا) إِلَى قَوْلِهِ (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (9: 124 - 125) .
أَقُولُ: قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (يَكْذِبُونَ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ بِسَبَبِ كَذِبِهِمْ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 130
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست