responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 150
قُلْتُ: وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْقَمِيصَ الَّذِي جَاءُوا عَلَيْهِ بِالدَّمِ غَيْرُ الْقَمِيصِ الَّذِي قُدَّ، وَغَيْرُ الْقَمِيصِ الَّذِي أَتَاهُ الْبَشِيرُ بِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقَمِيصَ الَّذِي قُدَّ هُوَ الَّذِي أُتِيَ بِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: بَلِ اللُّصُوصُ قَتَلُوهُ، فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ، فَاتَّهَمَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: تَزْعُمُونَ أَنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، وَلَوْ أَكَلَهُ لَشَقَّ قَمِيصَهُ قَبْلَ أَنْ يُفْضِيَ إِلَى جِلْدِهِ، وَمَا أَرَى بِالْقَمِيصِ مِنْ شَقٍّ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّ اللُّصُوصَ قَتَلُوهُ، وَلَوْ قَتَلُوهُ لَأَخَذُوا قَمِيصَهُ، هَلْ يُرِيدُونَ إِلَّا ثِيَابَهُ؟! فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ:" وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ" عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ، أَيْ لو كنا موصوفين بالصدق لا تهمتنا. الثَّالِثَةُ- اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِعْمَالِ الْأَمَارَاتِ فِي مَسَائِلَ مِنَ الْفِقْهِ كَالْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِمْ بِصِحَّةِ الْقَمِيصِ، وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَلْحَظَ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ إِذَا تَعَارَضَتْ، فَمَا تَرَجَّحَ مِنْهَا قَضَى بِجَانِبِ التَّرْجِيحِ، وَهِيَ قُوَّةُ التُّهْمَةِ، وَلَا خِلَافَ بِالْحُكْمِ بِهَا، قَالَهُ بن الْعَرَبِيِّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ). فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ لَمَّا قَالُوا لَهُ:" فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ" قَالَ لَهُمْ: أَلَمْ يَتْرُكِ الذِّئْبُ لَهُ عُضْوًا فَتَأْتُونِي بِهِ أَسْتَأْنِسُ بِهِ؟! أَلَمْ يَتْرُكْ لِي ثَوْبًا [1] أَشُمُّ فِيهِ رَائِحَتَهُ؟ قَالُوا: بَلَى! هَذَا قَمِيصُهُ مَلْطُوخٌ بِدَمِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى:" وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ" فَبَكَى يَعْقُوبُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ، لِبَنِيهِ: أَرُونِي قَمِيصَهُ، فَأَرَوْهُ فَشَمَّهُ وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يُقَلِّبُهُ فَلَا يَرَى فِيهِ شَقًّا وَلَا تَمْزِيقًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ذِئْبًا أَحْكَمَ مِنْهُ، أَكَلَ ابْنِي وَاخْتَلَسَهُ مِنْ قَمِيصِهِ وَلَمْ يُمَزِّقْهُ عَلَيْهِ، وَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، وَأَنَّ الذِّئْبَ لَمْ يَأْكُلْهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ كَالْمُغْضَبِ بَاكِيًا حَزِينًا وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ وَلَدِي! دُلُّونِي عَلَى وَلَدِي، فَإِنْ كَانَ حَيًّا رَدَدْتُهُ إِلَيَّ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا كَفَّنْتُهُ وَدَفَنْتُهُ، فَقِيلَ قَالُوا حِينَئِذٍ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى أَبِينَا كَيْفَ يُكَذِّبُنَا فِي مَقَالَتِنَا! تَعَالَوْا نُخْرِجْهُ مِنَ الْجُبِّ وَنَقْطَعْهُ عُضْوًا عُضْوًا، وَنَأْتِ أَبَانَا بِأَحَدِ أعضائه فيصدقنا

[1] في ع: له.
اسم الکتاب : تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي، شمس الدين    الجزء : 9  صفحة : 150
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست