responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 79
وَقَوْلُهُ: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أَيْ: دَلَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّهُ مِنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَظَّمه وَشَرَّفَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} يَعْنِي: الَّذِي لَمَّا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى رَفْعِ الْقَوَاعِدِ مِنْهُ وَالْجُدْرَانِ، حَيْثُ كَانَ يَقِفُ عَلَيْهِ وَيُنَاوِلُهُ وَلَدُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَقَدْ كَانَ مُلْتَصِقًا [1] بِجِدَارِ الْبَيْتِ، حَتَّى أَخَّرَهُ عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي إِمَارَتِهِ إِلَى نَاحِيَةِ الشَّرْقِ [2] بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الطُّوَّاف، وَلَا يُشَوِّشون عَلَى الْمُصَلِّينَ عِنْدَهُ بَعْدَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عِنْدَهُ حَيْثُ قَالَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] وَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ، فأغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} أَيْ: فمنهُنَّ [3] مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ والمَشْعَر.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أثرُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَامِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمر بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، والسُّدِّي، ومُقَاتِل بْنِ حَيّان، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ:
ومَوْطئ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبةٌ ... عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ ناعلِ ...
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ وعَمْرو الأوْدِي قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} قَالَ: الحَرَم كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وَلَفْظُ عَمْرٍو: الحَجَر كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَجُّ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. هَكَذَا رَأَيْتُ فِي النُّسْخَةِ، وَلَعَلَّهُ الحَجَر كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مُجَاهِدٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} يَعْنِي: حَرَمُ مَكَّةَ إِذَا دَخَلَهُ الْخَائِفُ يأمنُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْتُل فيَضَع فِي عُنُقِه صوفَة وَيَدْخُلُ [4] الْحَرَمَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ الْمَقْتُولِ فَلَا يُهَيِّجْهُ حَتَّى يَخْرُجَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} قَالَ: مَنْ عَاذَ بِالْبَيْتِ أَعَاذَهُ الْبَيْتُ، وَلَكِنْ لَا يُؤْوَى وَلَا يُطْعَم وَلَا يُسقى، فَإِذَا خَرَجَ أُخذ بِذَنْبِهِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [الْعَنْكَبُوتِ:67] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قُرَيْشٍ:[3]، [4]] وَحَتَّى إِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ تَحْرِيمِهَا حُرْمة اصْطِيَادِ صَيْدِهَا وَتَنْفِيرِهِ عَنْ أَوْكَارِهِ، وحُرْمة قَطْعِ أشجارها وقَلْع ثمارها

[1] في أ، و: "ملصقا".
[2] في جـ: "المشرق".
[3] في أ: "فهي".
[4] في جـ: "فيدخل".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست