responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 417
{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) }
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكرَ لَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ افْتَخَرُوا، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ نَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا] [1] } الْآيَةَ. فَأَفْلَجَ اللَّهُ حُجَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي صَالِحٍ، وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا رَوَى العَوْفيّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: تخاصَمَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ فَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: كِتَابُنَا خَيْرُ الْكُتُبِ، وَنَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ: لَا دِينَ إِلَّا الْإِسْلَامُ. وَكِتَابُنَا نَسَخَ كُلَّ كِتَابٍ، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وأُمرْتُم وَأُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِكِتَابِكُمْ وَنَعْمَلَ بِكِتَابِنَا. فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} وخَيَّر بَيْنَ الْأَدْيَانِ فَقَالَ: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا] [2] } إِلَى قَوْلِهِ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَتِ الْعَرَبُ: لَنْ نبْعث وَلَنْ نُعذَّب. وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [الْبَقَرَةِ: 111] وَقَالُوا {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [الْبَقَرَةِ: 80] .
وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الدِّينَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وَلَيْسَ كُلّ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا حَصَلَ لَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلَا كُلُّ مَنْ قَالَ: "إِنَّهُ هُوَ المُحق" سُمِعَ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ وَلَا لَهُمُ النَّجَاةُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلِ الْعِبْرَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعِ مَا شَرَعَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ الْكِرَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} كَقَوْلِهِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ: 7، 8] .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْر، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: أخْبرْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} فَكُل سُوءٍ عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَفَر اللَّهُ لكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، ألستَ تَمْرضُ؟ ألستَ تَنْصَب؟ أَلَسْتَ تَحْزَن؟ أَلَسْتَ تُصيبك اللَّأْوَاءُ [3] ؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: "فهو ما تُجْزَوْنَ به".

[1] زيادة من ر، أ.
[2] زيادة من ر.
[3] في أ: "ألست يصيبك أذى".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 417
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست