responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 416
الفِطْرَة، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدانه، ويُنَصِّرَانه، ويُمَجِّسَانه، كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعاء، هَلْ يَحُسّون فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَار قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي خلقتُ عِبَادِي حُنَفَاء، فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فْاجْتَالَتْهُم عَنْ دِينِهِمْ، وحَرّمت عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ [1] لَهُمْ" [2] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} أَيْ: فَقَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتِلْكَ خَسَارَةٌ لَا جَبْرَ لَهَا وَلَا اسْتِدْرَاكَ لِفَائِتِهَا.
وَقَوْلُهُ: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا} وَهَذَا [3] إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُ أَوْلِيَاءَهُ وَيُمَنِّيهِمْ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى فِي ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا} كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْلِيسَ يَوْمَ الْمَعَادِ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ] [4] إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إِبْرَاهِيمَ: 22] .
وَقَوْلُهُ: أَيِ: الْمُسْتَحْسِنُونَ لَهُ فِيمَا وَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أَيْ: مَصِيرُهُمْ وَمَآلُهُمْ يَوْمَ حِسَابِهِمْ {وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ عَنْهَا مَنْدُوحَةٌ وَلَا مَصْرِفٌ، وَلَا خَلَاصٌ وَلَا مَنَاصٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ السُّعَدَاءِ الْأَتْقِيَاءِ وَمَا لَهُمْ فِي مَآلِهِمْ مِنَ الْكَرَامَةِ التَّامَّةِ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أَيْ: صَدّقت قُلُوبُهُمْ وَعَمِلَتْ جَوَارِحُهُمْ بِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْخَيِّرَاتِ، وَتَرَكُوا مَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أَيْ: يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أَيْ: بِلَا زَوَالٍ وَلَا انْتِقَالٍ {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} أَيْ: هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ وَوَعْدُ اللَّهِ مَعْلُومٌ حَقِيقَةً أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا أَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ الدَّالِّ عَلَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {حَقًّا} ثُمَّ قَال {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} أَيْ: لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنْهُ قَوْلًا وَخَبَرًا، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فِي خُطْبَتِهِ: "إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الهَدْي هَدْي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثاتها، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

[1] في ر: "ما حللت".
[2] صحيح مسلم برقم (2865) .
[3] في أ: "هذا".
[4] زيادة من ر، أ، وفي هـ" إلى قوله".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 416
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست