responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 485
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) }
اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، عَلَى جمَل عَظِيمَةٍ، وَقَوَاعِدَ عَمِيمَةٍ، وَعَقِيدَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبيد [1] بْنُ هِشَامٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَامِرِ بْنِ شُفَي، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْإِيمَانُ؟ فَتَلَا عَلَيْهِ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ: ثُمَّ سَأَلَهُ أَيْضًا، فَتَلَاهَا عَلَيْهِ [2] ثُمَّ سَأَلَهُ. فَقَالَ: "إِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً أَحَبَّهَا [3] قَلْبُكَ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً أَبْغَضَهَا [4] قَلْبُكَ" [5] .
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ؛ فَإِنَّ [6] مُجَاهِدًا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ذَرٍّ؛ فَإِنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا.
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ فَقَرَأَ [7] عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَيْسَ عَنِ الْبَرِّ سألتُكَ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَبَى أن يرضى كما أبيت [أنت] [8] أن تَرْضَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ -: "الْمُؤْمِنُ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً سَرته وَرَجَا ثَوَابَهَا، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً أَحْزَنَتْهُ وَخَافَ عِقَابَهَا" [9] .
رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه، وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ حوَّلهم إِلَى الْكَعْبَةِ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى نُفُوسِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَ حِكْمَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَامْتِثَالُ أَوَامِرِهِ، وَالتَّوَجُّهُ حَيْثُمَا وَجَّهَ، وَاتِّبَاعُ مَا شَرَعَ، فَهَذَا هُوَ الْبِرُّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَانُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَ فِي لُزُومِ التَّوَجُّهِ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِرٌّ وَلَا طَاعَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الْآيَةَ، كَمَا قَالَ فِي الْأَضَاحِيِّ وَالْهَدَايَا: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الْحَجِّ: 37] .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَيْسَ الْبَرَّ أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا. فَهَذَا حِينَ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَنَزَلَتِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِالْفَرَائِضِ وَالْعَمَلِ بها.

[1] في جـ: "حدثنا عبيدة".
[2] في جـ: "فتلا عليه".
[3] في جـ: "فأحبها".
[4] في جـ: "فأبغضها".
[5] ورواه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" برقم (409) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عبد الكريم، عن مجاهد به.
[6] في جـ: "لأن".
[7] في جـ: "فتلا".
[8] زيادة من أ.
[9] ورواه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" برقم (408) من طريق عبد الله بن يزيد والملائي، كلاهما عن المسعودي به نحوه، ورواه الحاكم (2/272) من طريق موسى بن أعين، عن عبد الكريم به نحوه، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرجاه" وتعقبه الذهبي: "قلت: وهو منقطع".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 485
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست