responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 486
وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَتِ الْيَهُودُ تُقْبل [1] قِبَلَ الْمَغْرِبِ، وَكَانَتِ النَّصَارَى تُقْبل [2] قِبَلَ الْمَشْرِقِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} يَقُولُ: هَذَا كَلَامُ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتُهُ [3] الْعَمَلُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلُهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَا ثَبَتَ فِي الْقُلُوبِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى أَنْ تُؤَدُّوا الْفَرَائِضَ عَلَى وُجُوهِهَا.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الْآيَةَ، قَالَ: هَذِهِ أَنْوَاعُ الْبِرِّ كُلُّهَا. وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي عُرَى الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَصَدَّقَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ سَفَرَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ {وَالْكِتَابِ} وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى خُتِمَتْ بِأَشْرَفِهَا، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، الذِي انْتَهَى إِلَيْهِ كُلُّ خَيْرٍ، وَاشْتَمَلَ عَلَى كُلِّ سَعَادَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَنَسَخَ [اللَّهُ] [4] بِهِ كُلَّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ قَبْلَهُ، وَآمَنَ بِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ كُلِّهِمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى خَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أَيْ: أَخْرَجَهُ، وَهُوَ مُحب لَهُ، رَاغِبٌ فِيهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرة مَرْفُوعًا: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الْفَقْرَ".
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زُبَيد، عَنْ مُرَّة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أَنْ [5] تُعْطِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى [6] وَتَخْشَى الْفَقْرَ". ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [7] .
قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيع عَنِ الْأَعْمَشِ، وَسُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الْإِنْسَانِ: [8]، [9]] .
وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 92] وَقَوْلُهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الْحَشْرِ: [9]] نمَط آخرُ أَرْفَعُ مِنْ هَذَا [وَمِنْ هَذَا] [8] وَهُوَ أَنَّهُمْ آثَرُوا بِمَا هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ أَعْطَوْا [9] وَأَطْعَمُوا مَا هُمْ مُحِبُّونَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: {ذَوِي الْقُرْبَى} وَهُمْ: قَرَابَاتُ الرَّجُلِ، وَهُمْ أَوْلَى مَنْ أَعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، كَمَا ثبت في

[1] في جـ: "تتقبل".
[2] في جـ: "تتقبل".
[3] في جـ: "وحقيقة".
[4] زيادة من جـ.
[5] في أ: "أي".
[6] في أ: "العيش".
[7] المستدرك (2/272) .
[8] زيادة من جـ.
[9] في جـ: "وهؤلاء أعطوه".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 486
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست