responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 368
الْآلَاتِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النَّفْسَ إِذَا كَانَتْ مُسْتَعْلِيَةً [1] عَلَى الْبَدَنِ شَدِيدَةَ الِانْجِذَابِ إِلَى عَالَمِ السَّمَاوَاتِ، صَارَتْ كَأَنَّهَا رُوح مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ، فَكَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى التَّأْثِيرِ فِي مَوَادِّ هَذَا الْعَالَمِ. وَإِذَا كَانَتْ ضَعِيفَةً شَدِيدَةَ التَّعَلُّقِ بِهَذِهِ الذَّاتِ [2] الْبَدَنِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهَا تَصَرُّفٌ الْبَتَّةَ إِلَّا فِي هَذَا الْبَدَنِ. ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى مُدَاوَاةِ هَذَا الدَّاءِ بِتَقْلِيلِ الْغِذَاءِ، وَالِانْقِطَاعِ عَنِ النَّاسِ وَالرِّيَاءِ [3] .
قُلْتُ: وَهَذَا الذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ هُوَ التَّصَرُّفُ بِالْحَالِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَارَةً تَكُونُ حَالًا صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً يَتَصَرَّفُ بِهَا فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتْرُكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ مَوَاهِبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَامَاتٌ لِلصَّالِحِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا سِحْرًا فِي الشَّرْعِ. وَتَارَةً تَكُونُ الْحَالُ فَاسِدَةً لَا يَمْتَثِلُ صَاحِبُهَا مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَتَصَرَّفُ بِهَا فِي ذَلِكَ. فَهَذِهِ [4] حَالُ الْأَشْقِيَاءِ الْمُخَالَفِينَ لِلشَّرِيعَةِ، وَلَا يَدُلُّ إِعْطَاءُ اللَّهِ [5] إيَّاهم هَذِهِ الْأَحْوَالَ عَلَى مَحَبَّتِهِ لَهُمْ، كَمَا أَنَّ الدجَّال -لَعَنَهُ اللَّهُ-لَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْعَادَاتِ [6] مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ، مَعَ أَنَّهُ مَذْمُومٌ شَرْعًا لَعَنَهُ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ شَابَهَهُ مِنْ مُخَالَفِي الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. وَبَسْطُ هَذَا يَطُولُ جِدًّا، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ.
قَالَ: النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ السِّحْرِ: الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ، وَهُمُ الْجِنُّ، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ: وَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُؤْمِنُونَ، وَكُفَّارٌ، وَهُمُ الشياطينُ. قَالَ: وَاتِّصَالُ النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ بِهَا أَسْهَلُ مِنَ اتِّصَالَهَا بِالْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ [7] وَالْقُرْبِ، ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ الصَّنْعَةِ وَأَرْبَابَ التَّجْرِبَةِ شَاهَدُوا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ يَحْصُلُ بِأَعْمَالٍ سَهْلَةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الرُّقَى وَالدَّخَلِ [8] وَالتَّجْرِيدِ. وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَزَائِمِ وَعَمَلِ التَّسْخِيرِ [9] .
النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ السِّحْرِ: التَّخَيُّلَاتُ، وَالْأَخْذُ بِالْعُيُونِ وَالشَّعْبَذَةُ، وَمَبْنَاهُ [عَلَى] [10] أَنَّ الْبَصَرَ قَدْ يُخْطِئُ وَيَشْتَغِلُ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشَعْبِذَ الْحَاذِقَ يُظْهِرُ عَمَلَ شَيْءٍ يُذْهِلُ أَذْهَانَ النَّاظِرِينَ بِهِ، وَيَأْخُذُ عُيُونَهُمْ إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا اسْتَفْرَغَهُمُ [11] الشُّغْلُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ بِالتَّحْدِيقِ وَنَحْوِهِ، عَمِلَ شَيْئًا آخَرَ عَمَلا بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرَ مَا انْتَظَرُوهُ. فيتعجَّبون مِنْهُ جِدًّا، وَلَوْ أَنَّهُ سَكَتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا [12] يَصْرِفُ الْخَوَاطِرَ إِلَى ضِدِّ مَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَهُ، وَلَمْ تَتَحَرَّكِ النُّفُوسُ وَالْأَوْهَامُ إِلَى غَيْرِ مَا يُرِيدُ إِخْرَاجَهُ، لَفَطِنَ النَّاظِرُونَ لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ.
قَالَ: وَكُلَّمَا كَانَتِ الْأَحْوَالُ تُفِيدُ حُسْنَ الْبَصَرِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْخَلَلِ [13] أَشَدَّ، كَانَ العمل

[1] في جـ، ط، ب، و: "مشتغلة"، وفي أ: "مستقبلة".
[2] في جـ، ط، ب، أ، و: "اللذات".
[3] في جـ، ط، ب، و: "والرياضة".
[4] في جـ: "فهذا".
[5] في جـ: "أعطاهم الله"، وفي أ: "على عطاء الله".
[6] في جـ: "والعادات".
[7] في جـ: "من المناسب".
[8] في جـ، ط، ب، أ، و: "والدخن".
[9] في ط، ب، أ، و: "وعمل تسخير".
[10] زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[11] في جـ: "إذا استقر".
[12] في ط: "مما".
[13] في جـ: "الخلال".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 368
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست