responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 367
قلتَ إِنَّ هَذَا مِنْهُ؟ ثُمَّ تَرَقيه [1] إِلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْمُعْجِزِ إِلَّا بِهِ، ضَعِيفٌ بَلْ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ [2] مُعْجِزَاتِ رَسُولِنَا، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [3] هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. ثُمَّ إِنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مُعْجِزٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ السِّحْرِ أَصْلًا ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ وَأَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتَهُمْ، كَانُوا يَعْلَمُونَ الْمُعْجِزَ، ويفرّقُون بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ السِّحْرَ وَلَا تَعَلَّمُوهُ وَلَا عَلَّمُوهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ أَنَّ أَنْوَاعَ السِّحْرِ ثَمَانِيَةً:
الْأَوَّلُ: سِحْرُ الكلُدْانيين والكُشْدانيين، الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ الْمُتَحَيِّرَةَ، وَهِيَ السَّيَّارَةُ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُدَبّرة الْعَالَمِ [4] وَأَنَّهَا تَأْتِي بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُمُ الَّذِينَ بَعث [5] إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْطِلًا لِمَقَالَتِهِمْ وَرَادًّا لِمَذْهَبِهِمْ [6] وَقَدِ اسْتَقْصَى فِي "كِتَابِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ، فِي مُخَاطَبَةِ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ" الْمَنْسُوبَ إِلَيْهِ فِيمَا [7] ذَكَرَهُ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ وَغَيْرُهُ [8] وَيُقَالُ: إِنَّهُ تَابَ مِنْهُ. وَقِيلَ [9] إِنَّهُ [10] صَنَّفَهُ عَلَى وَجْهِ إِظْهَارِ الْفَضِيلَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِقَادِ. وَهَذَا هُوَ الْمَظْنُونُ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ طَرَائِقَهُمْ فِي مُخَاطَبَةِ كُلِّ مِنْ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ، وَكَيْفِيَّةِ مَا يَفْعَلُونَ وَمَا يَلْبَسُونَهُ، وَمَا يَتَنَسَّكُونَ بِهِ.
قَالَ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي: سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ لَهُ تَأْثِيرٌ، بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْجِسْرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَمْدُودًا عَلَى نَهَرٍ أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ: وَكَمَا أَجْمَعَتِ الْأَطِبَّاءُ عَلَى نَهْيِ المَرْعُوف [11] عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الحُمْر، وَالْمَصْرُوعِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْقَوِيَّةِ اللَّمَعَانِ أَوِ الدَّوَرَانِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ النُّفُوسَ خُلِقَتْ مُطِيعة [12] لِلْأَوْهَامِ.
قَالَ: وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ حَقٌّ.
وَلَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْعَيْنُ حَقّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ" [13] .
قَالَ: فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَنَقُولُ: النَّفْسُ التِي تَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ قَدْ تَكُونُ قَوِيَّةً جِدًّا، فَتَسْتَغْنِي فِي هَذِهِ الْأَفَاعِيلِ [14] عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْآلَاتِ وَالْأَدَوَاتِ، وَقَدْ تَكُونُ ضَعِيفَةً فتحتاج إلى الاستعانة بهذه

[1] في أ: "فرقته".
[2] في جـ، ب، أ، و: "لأن أعظم".
[3] في جـ: "صلى الله عليه وسلم".
[4] في جـ: "مدبرة للعالم".
[5] في جـ، ب، أ: "بعث الله".
[6] في جـ، ط، ب، أ، و: "لمذاهبهم".
[7] في ب: "كما".
[8] وفيات الأعيان (3/ 381) .
[9] في جـ، ط: "ويقال".
[10] في جـ، ط، ب: "بل".
[11] في جـ: "المرفوع"، وفي ط: "الموضوع".
[12] في جـ، ط، ب، و: "منطبعة"، وفي أ: "منطبقة".
[13] صحيح مسلم برقم (2188) من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[14] في جـ، ط، ب، أ، و: "هذه الأفعال".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 367
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست