responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 229
مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ [1] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، فَجَعَلَ إِبْلِيسَ عَلَى مُلْك السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لِأَنَّهُمْ خُزَّانُ الْجَنَّةِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ مُلْكه خَازِنًا، فَوَقَعَ فِي صَدْرِهِ كِبْرٌ وَقَالَ: مَا أَعْطَانِي اللَّهُ هَذَا إِلَّا لِمَزِيَّةٍ لِي عَلَى الْمَلَائِكَةِ. فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ الْكِبْرُ فِي نَفْسِهِ [2] اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} قَالُوا [3] : رَبَّنَا، وَمَا يَكُونُ ذَلِكَ الْخَلِيفَةُ؟ قَالَ: يَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالُوا: رَبَّنَا، {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يَعْنِي: مِنْ شَأْنِ إِبْلِيسَ. فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ إِلَى الْأَرْضِ لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا، فَقَالَتِ الْأَرْضُ: إِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ أَنْ تَقْبض [4] مِنِّي أَوْ تَشِينَنِي فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذْ، وَقَالَ: رَبِّ مِنِّي [5] عَاذَتْ بِكَ فأعذتُها، فَبَعَثَ مِيكَائِيلُ، فَعَاذَتْ مِنْهُ فَأَعَاذَهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيلُ، فَبَعَثَ مَلَك الْمَوْتِ فَعَاذَتْ مِنْهُ. فَقَالَ: وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْجِعَ وَلَمْ أُنَفِّذْ أَمْرَهُ، فَأَخَذَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وخَلَطَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَأَخَذَ مِنْ تُرْبَةٍ حَمْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ، فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو آدَمَ مُخْتَلِفِينَ، فَصعِد بِهِ فَبَلَّ التُّرَابَ حَتَّى عَادَ طِينًا لَازِبًا -وَاللَّازِبُ: هُوَ الَّذِي يَلْتَزِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ -ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:71، 72] فَخَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ لِئَلَّا يَتَكَبَّرَ إِبْلِيسُ عَنْهُ، لِيَقُولَ لَهُ: تَتَكَبَّرُ عَمَّا عَمِلْتُ بِيَدِي، وَلَمْ أَتَكَبَّرْ أَنَا عَنْهُ. فَخَلَقَهُ [6] بَشَرًا، فَكَانَ جَسَدًا مِنْ طِينٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ فَفَزِعُوا مِنْهُ لَمَّا رَأَوْهُ، وَكَانَ أَشَدُّهُمْ فَزَعًا مِنْهُ [7] إِبْلِيسُ، فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ فَيَضْرِبُهُ فَيُصَوِّتُ الْجَسَدُ كَمَا يُصَوِّتُ الْفَخَّارُ وَتَكُونُ لَهُ صَلْصَلَةٌ. فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرَّحْمَنِ: 14] وَيَقُولُ: لِأَمْرٍ مَا خُلقت. وَدَخَلَ مِنْ فِيهِ فَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: لَا تَرْهَبُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّ رَبَّكُمْ صَمَدٌ وَهَذَا أَجْوَفُ. لَئِنْ سُلِّطْتُ عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحِينَ الَّذِي يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: إِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَاسْجُدُوا لَهُ، فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فَدَخَلَ الرُّوحُ فِي رَأْسِهِ، عَطِسَ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ اللَّهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ، فَلَمَّا دَخَلَتِ الرُّوحُ فِي عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ. فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوحُ فِي [8] جَوْفِهِ اشْتَهَى الطَّعَامَ، فَوَثَبَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ [9] الرُّوحُ رِجْلَيْهِ عَجْلَانَ [10] إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ تَعَالَى: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الْأَنْبِيَاءِ: 37] {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الْحِجْرِ: 30، 31] أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ. قَالَ اللَّهُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي؟ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِمَنْ [11] خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. قَالَ اللَّهُ لَهُ: اخْرُجْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ، يَعْنِي: مَا يَنْبَغِي لَكَ {أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}

[1] في جـ، ط، ب: "رسول الله".
[2] في جـ: "في صدره".
[3] في طـ، ب: "فقالوا".
[4] في أ، و: "تنقص".
[5] في جـ، ط، ب: "رب إنها".
[6] في جـ، ط: "بخلقه".
[7] في جـ، ب، ط: "أشدهم منه فزعا".
[8] في جـ: "إلى".
[9] في جـ: "أن يدخل".
[10] في جـ: "عجلا".
[11] في جـ، ب: "لبشر".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 229
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست