اسم الکتاب : السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير المؤلف : الخطيب الشربيني الجزء : 1 صفحة : 497
مكر الله إلا القوم الخاسرون} أي: إنه لا يأمن استدراجه إياهم بالنعم وأخذهم بغتة إلا من خسر في أخراه وهلك مع الهالكين فعلى العاقل أن يكون في خوفه من الله تعالى كالمحارب الذي يخاف من عدوّه المتمكن البيات والغيلة، وعن الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى أنّ ابنته قالت له: مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ فقال: يا ابنتاه إن أباك يخاف البيات أراد قوله تعالى: {أن يأتيهم بأسنا بياتاً} : {أولم يهد} أي: يتبين {للذين يرثون الأرض} أن يسكنونها {من بعد} هلاك {أهلها} الذين كانوا من قبلهم فورثوها عنهم وخلفوهم فيها {أن لو نشاء أصبناهم} بالعذاب {بذنوبهم} كما أصبنا من قبلهم والهمزة للتوبيخ وأن لو نشاء مرفوع بأنه فاعل يهد أي: أولم يهد للذين يخلفون من خلا قبلهم في ديارهم ويرثون أرضهم هذا الشأن وهو أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم أي: بسببها كما أصبنا من قبلهم وأهلكنا الوارثين منهم كما أهلكنا المورثين وإنما عدى فعل الهداية باللام لأنه بمعنى التبيين كما مرّ.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية واواً في الوصل والباقون بتحقيقهما وقوله تعالى: {ونطبع} أي: نختم {على قلوبهم} معطوف على ما دلّ عليه {أولم يهد} كأنه قيل: يغفلون عن الهداية ونطبع على قلوبهم أو على يرثون الأرض أو يكون منقطعاً بمعنى: ونحن نطبع على قلوبهم {فهم لا يسمعون} موعظة أي: لا يقبلونها ومنه سمع الله لمن حمده قال الشاعر:
*دعوت الله حتى خفت أن لا ... يكون الله يسمع ما أقول*
أي: يقبله ويستجيبه.
{تلك القرى} أي: القرى التي ذكرنا لك يا محمد أمرها وأمر أهلها وهي قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب {نقص عليك} يا محمد {من أنبائها} أي: نخبرك عنها وعن أهلها وما كان من أمرهم وأمر رسلهم الذين أرسلوا إليهم لتعلم أننا ننصر رسلنا والذين آمنوا معهم على أعدائهم من أهل الكفر والعناد وكيف أهلكناهم بكفرهم ومخالفتهم رسلهم وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتحذير لكفار قريش أن يصيبهم مثل ما أصابهم {ولقد جاءتهم} أي: أهل تلك القرى {رسلهم بالبينات} أي: بالمعجزات الباهرات والبراهين الدالة على صدقهم وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بالإظهار والباقون بالإدغام وأمال حمزة وابن ذكوان الألف وسكن السين أبو عمرو ورفعها الباقون {فما كانوا ليؤمنوا} أي: عند مجيئهم بها {بما كذبوا} أي: كفروا به {من قبل} أي: قبل مجيء الرسل بل استمرّوا على الكفر واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالتهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم {كذلك} أي: كما طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية وأهلكهم يطبع الله على قلوب الكافرين الذين كتب عليهم أنهم لا يؤمنون من قومك.
{وما وجدنا لأكثرهم} أي: لأكثر الناس على الإطلاق أو لأكثر الأمم الخالية والقرون الماضية الذين قصصنا خبرهم عليك، وأكد الاستغراق فقال: {من عهد} أي: من وفاء بالعهد الذي عهدناه إليهم وأوصيناهم به يوم أخذ الميثاق، والآية على الأوّل اعتراض وعلى الثاني من تتمة الكلام السابق {وإن} مخففة أي: وإنا {وجدنا} أي: في علمنا في عالم الشهادة {أكثرهم لفاسقين} أي: خارجين عن دائرة العهد طبق ما كنا نعلمه منهم في عالم الغيب
اسم الکتاب : السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير المؤلف : الخطيب الشربيني الجزء : 1 صفحة : 497