اسم الکتاب : السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير المؤلف : الخطيب الشربيني الجزء : 1 صفحة : 496
على نفسه فقال: {فكيف آسى} أي: أحزن {على قوم كافرين} لأنهم ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بسبب كفرهم، وقيل: قال ذلك اعتذاراً عن عدم شدّة حزنه عليهم والمعنى: لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النصح فلم يصدّقوا قولي فكيف أحزن عليهم وقوله تعالى:
{وما أرسلنا في قرية من نبيّ} فيه إضمار وحذف تقديره: فكذبوه {إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء} قال ابن مسعود: البأساء الفقر والضرّاء المرض، وقيل: البأساء الشدّة وضيق العيش والضرّاء سوء الحال {لعلهم يضرّعون} أي: فعلنا بهم ذلك لكي يتضرّعوا ويتوبوا والتضرّع التذلل والخضوع والانقياد لأمر الله.
{ثم بدّلنا مكان السيئة الحسنة} أي: أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدّة السلامة والسعة كقوله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} (الأعراف، 168)
فأخبر الله تعالى بهذه الآية أنه يأخذ أهل المعاصي والكفر تارة بالشدة وتارة بالرخاء على سبيل الاستدراج وهو قوله تعالى: {حتى عفوا} أي: كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم يقال: عفا الشعر إذا كثر وطال ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «وأعفوا اللحى» أي: وفروها وأكثروا شعرها {وقالوا} كفراً للنعمة {قد مس آباءنا الضرّاء والسرّاء} وهذه عادة الدهر قديماً وحديثاً لنا ولآبائنا ولم يكن ما مسنا من الشدّة والضرّاء عقوبة لنا من الله تعالى على ما نحن عليه فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم من قبل فإنهم لم يتركوا دينهم لما أصابهم من الضراء والسراء قال الله تعالى: {فأخذناهم بغتة} أي: فجأة أينما كانوا ليكون ذلك أعظم لحسرتهم {وهم لا يشعرون} أي: بنزول العذاب بهم والمراد بذكر هذه القصة وغيرها من القصص اعتبار من سمعها لينزجر عما هو عليه من الذنوب ويرجع إلى الله تعالى ويزداد الذين آمنوا إيماناً.
{ولو أنّ أهل القرى} أي: المكذبين {آمنوا} أي: بالله ورسوله {واتقوا} أي: الشرك والمعاصي {لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} أي: لأتيناهم بالخير من كل جهة، وقيل: بركات السماء المطر وبركات الأرض النبات والثمار والأنعام وجميع ما فيها من الخيرات وكل ذلك من فضل الله تعالى وإحسانه وإنعامه على عباده. وقرأ ابن عامر بتشديد التاء والباقون بالتخفيف {ولكن كذبوا} أي: فعلنا بهم ذلك ليؤمنوا فما آمنوا ولكن كذبوا الرسل {فأخذناهم} أي: عاقبناهم بأنواع العذاب {بما} أي: بسبب ما {كانوا يكسبون} من الكفر والمعاصي.
وقوله تعالى:
{أفأمن أهل القرى} عطف على قوله تعالى: {فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون} وما بينما اعتراض والمعنى: أبعد ذلك أمن أهل القرى {أن يأتيهم بأسنا} أي: عذابنا {بياتاً} أي: ليلاً وقوله تعالى: {وهم نائمون} حال من ضمير هم البارز أو المستتر في بياتاً.
{أو أمن أهل القرى} هو استفهام بمعنى الإنكار وفيه وعيد وزجر وتهديد والمراد بالقرى مكة وما حولها وقيل: هو عام في كل أهل القرى الذين كفروا وكذبوا. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بسكون الواو والباقون بفتح الواو {أن يأتيهم بأسنا ضحى} أي: نهاراً لأن الضحى صدر النهار {وهم يلعبون} أي: وهم ساهون لاهون غافلون عما يراد بهم وقوله تعالى:
{أفأمنوا مكر الله} تقرير لقوله تعالى: {أفأمن أهل القرى} ومكر الله استعارة لاستدراج العبد بالنعم في الدنيا وأخذه من حيث لا يحتسب {فلا يأمن
اسم الکتاب : السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير المؤلف : الخطيب الشربيني الجزء : 1 صفحة : 496