responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 72
هَذَا فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ [النِّسَاء: 141] ، أَيْ نَصِيبٌ مِنَ الْفَتْحِ أَوْ مِنَ النَّصْرِ.
وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ، لِأَنَّ الْيَهُودَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا مُخْتَلَطِينَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى.
وَالِاشْتِرَاءُ مَجَازٌ فِي الِاخْتِيَارِ وَالسَّعْيِ لِتَحْصِيلِ الشَّيْءِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ آخِذُ الشَّيْءِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ من الْمُتَبَايعين، وَالْبَائِعُ هُوَ بَاذِلُ الشَّيْءِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إِلَى ثَمَنِهِ، هَكَذَا اعْتَبَرَ أَهْلُ الْعُرْفِ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ اللُّغَةُ وَإِلَّا فَإِنَّ كِلَا الْمُتَبَايِعَيْنِ مُشْتَرٍ وَشَارٍ، فَلَا جَرَمَ أَنْ أُطْلِقَ الِاشْتِرَاءُ مَجَازًا عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [16] . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمُ اقْتَحَمُوا الضَّلَالَةَ عَنْ عَمْدٍ لِضَعْفِ إِيمَانِهِمْ بِكِتَابِهِمْ وَقِلَّةِ جَدْوَى عِلْمِهِمْ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ أَيْ يُرِيدُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ الضَّلَالَةَ لِئَلَّا يَفْضُلُوهُمْ بِالِاهْتِدَاءِ، كَقَوْلِهِ: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [الْبَقَرَة: 109] . فَالْإِرَادَةُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْإِرَادَةَ عَلَى الْغَالِبِ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ الْبَاعِثُ النَّفْسَانِيُّ عَلَى الْعَمَلِ، أَيْ يَسْعَوْنَ لِأَنْ تَضِلُّوا، وَذَلِكَ بِإِلْقَاءِ الشُّبَهِ وَالسَّعْيِ فِي صَرْفِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً [النِّسَاء: 27] .
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ مُعْتَرِضَةٌ، وَهِيَ تَعْرِيضٌ فَإِنَّ إِرَادَتَهُمُ الضَّلَالَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ عَدَاوَةٍ وَحَسَدٍ.
وَجُمْلَةُ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً [النِّسَاء: 45] تَذْيِيلٌ لِتَطْمَئِنَّ نُفُوسُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ الْيَهُودِ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ضَلَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُلْقِيَ الرَّوْعَ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ كَانَ الْيَهُود المحاورون لِلْمُسْلِمِينَ ذَوِي عَدَدٍ وَعُدَدٍ، وَبِيَدِهِمُ الْأَمْوَالُ، وَهُمْ مَبْثُوثُونَ فِي الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا: مِنْ قَيْنُقَاعَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 72
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست