responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 221
وَأَمَّا جُمْلَةُ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا فَهِيَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا، أَتَى بهَا تميهدا لِقَوْلِهِ: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ فَهِيَ مُرَادٌ بِهَا مَعْنَاهَا الْكِنَائِيُّ الَّذِي هُوَ التَّمَكُّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: وَكِيلًا. فَقَدْ تَكَرَّرَتْ جُمْلَةُ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ هُنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَتَالِيَاتٍ مُتَّحِدَةً لَفْظًا وَمَعْنًى أَصْلِيًّا، وَمُخْتَلِفَةَ الْأَغْرَاضِ الْكِنَائِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا، وَسَبَقَتْهَا جُمْلَةٌ نَظِيرَتُهُنَّ: وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً [النِّسَاء: 126] . فَحَصَلَ تَكْرَارُهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كَلَامٍ مُتَنَاسِقٍ.
فَأَمَّا الْأُولَى السَّابِقَةُ فَهِيَ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاء: 116] ، وَلِقَوْلِهِ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [النِّسَاء: 116] ، وَالتَّذْيِيلِ لَهُمَا، وَالِاحْتِرَاسِ لِجُمْلَةِ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النِّسَاء: 125] ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَوَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ الَّتِي تَلِيهَا فَهِيَ عِلَّةٌ لِلْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ جَوَابُ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَالتَّقْدِيرُ: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ تَقْوَاكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فَإِنَّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ وَلَا يَزَالُ غَنِيًّا حَمِيدًا. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ الَّتِي تَلِيهَا فَعَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ تَقْدِيرُهُ: وَإِنْ تَكْفُرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ فَإِنَّ اللَّهَ وَكَيْلٌ عَلَيْكُمْ وَوَكِيلٌ عَنْ رَسُولِهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا.
وَجُمْلَةُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّفْرِيعِ عَنْ قَوْلِهِ: غَنِيًّا حَمِيداً. وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْخِطَابَ تَنْبِيهًا لَهُمْ بِهَذَا النِّدَاءِ. وَمَعْنَى يَأْتِ بِآخَرِينَ يُوجِدُ نَاسًا آخَرِينَ يَكُونُونَ خَيْرًا مِنْكُمْ فِي تَلَقِّي الدِّينِ.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ بقوله: بِآخَرِينَ أَنَّ الْمَعْنَى بِنَاسٍ آخَرِينَ غَيْرِ كَافِرِينَ، عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ فِي الْوَصْفِ بِكَلِمَةِ آخَرَ أَوْ أُخْرَى، بَعْدَ ذِكْرِ مُقَابِلٍ
لِلْمَوْصُوفِ، أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ بِكَلِمَةِ آخَرَ بَعْضًا مِنْ جِنْسِ مَا عُطِفَ هُوَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا جَعَلَهُ الْمُتَكَلِّمُ جِنْسًا فِي كَلَامِهِ، بِالتَّصْرِيحِ أَوِ التَّقْدِيرِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ إِلَى لُزُومِ ذَلِكَ، وَاحْتَفَلَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحَرِيرِيُّ فِي «دُرَّةِ الْغَوَّاصِ» . وَحَاصِلُهَا: أَنَّ الْأَخْفَشَ الصَّغِيرَ، وَالْحَرِيرِيَّ، وَالرَّضِيَّ، وَابْنَ يَسْعُونَ، وَالصِّقِلِّيَّ، وَأَبَا حَيَّانَ، ذَهَبُوا إِلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ جِنْسِ الْمَوْصُوفِ بِكَلِمَةِ آخَرَ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا مَعَ جِنْسِ مَا عُطِفَ هُوَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 221
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست