responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 176
وَالْمُسْتَضْعَفُ: الْمَعْدُودُ ضَعِيفًا فَلَا يَعْبَأُ بِمَا يُصْنَعُ بِهِ فَلَيْسَ هُوَ فِي عِزَّةٍ تُمَكِّنُهُ مِنْ إِظْهَارِ إِسْلَامِهِ، فَلِذَلِكَ يَضْطَرُّ إِلَى كِتْمَانِ إِسْلَامِهِ. وَالْأَرْضُ هِيَ مَكَّةُ. أَرَادُوا: كُنَّا مُكْرَهِينَ عَلَى الْكُفْرِ مَا أَقَمْنَا فِي مَكَّةَ، وَهَذَا جَوَابٌ صَادِقٌ إِذْ لَا مَطْمَعَ فِي الْكَذِبِ فِي عَالَمِ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ حَسِبُوا ذَلِكَ عُذْرًا يُبِيحُ الْبَقَاءَ عَلَى الشِّرْكِ، أَوْ يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنِ الْهِجْرَةِ، عَلَى اخْتِلَافِ التَّفْسِيرَيْنِ، فَلِذَلِكَ رَدَّ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، أَيْ تَخْرُجُوا مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي تُسْتَضْعَفُونَ فِيهَا، فَبِذَلِكَ تُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ، أَوْ فَقَدِ اتَّسَعَتِ الْأَرْضُ فَلَا تَعْدَمُونَ أَرْضًا تَسْتَطِيعُونَ الْإِقَامَةَ فِيهَا. وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى كُلِّ بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْفِتْنَةِ يُعَدُّ هِجْرَةً، لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ: مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاء: 100] أَنَّ الْمَقْصُودَ الْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً، وَأَمَّا هِجْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ فَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ النَّبِيءَ وَفَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانُوا بَعْدُ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ بِإِذْنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا رَدٌّ مُفْحِمٌ لَهُمْ.
وَالْمُهَاجَرَةُ: الْخُرُوجُ مِنَ الْوَطَنِ وَتَرْكُ الْقَوْمِ، مُفَاعَلَةٌ مِنْ هَجَرَ إِذَا تَرَكَ، وَإِنَّمَا اشْتُقَّ لِلْخُرُوجِ عَنِ الْوَطَنِ اسْمُ الْمُهَاجَرَةِ لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَكُونُ عَنْ كَرَاهِيَةٍ بَيْنَ الرَّاحِلِ وَالْمُقِيمِينَ، فَكُلُّ فَرِيقٍ يَطْلُبُ تَرْكَ الْآخَرِ، ثُمَّ شَاعَ إِطْلَاقُهَا عَلَى مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ بِدُونِ هَذَا الْقَيْدِ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ [النِّسَاء: 97] تَفْرِيعٌ عَلَى مَا حَكَى مِنْ تَوْبِيخِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ وَتَهْدِيدِهِمْ.
وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرِيَاءُ بِالْحُكْمِ الْوَارِدِ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ فِتْنَةِ الشِّرْكِ بِالْخُرُوجِ مِنْ أَرْضِهِ.
وَقَوْلُهُ: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْوَعِيدِ، وَالْمَعْنَى إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ حَقًّا، أَيِ الْعَاجِزِينَ عَنِ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ لِقِلَّةِ جُهْدٍ، أَوْ لِإِكْرَاهِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ وَإِيثَاقِهِمْ عَلَى الْبَقَاءِ:
مِثْلَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمُتَقَدِّمِ خَبَرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً [النِّسَاء: 92] ، وَمِثْلَ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَفِي «الْبُخَارِيِّ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَدْعُو

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 176
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست