responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 175
قَالَ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الْأَنْفَال: 72] الْآيَةَ فَأَوْجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْرَهُمْ فِي الدِّينِ إِنِ اسْتَنْصَرُوهُمْ، وَهَذِهِ حَالَةٌ تُخَالِفُ حَالَةَ الْكُفَّارِ. وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ: فَالظُّلْمُ الْمَعْصِيَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْوَعِيدُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ صَالِحٌ لِلْأَمْرَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعُدُّوا الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي عِدَادِ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَيَّنِ الَّذِينَ مَاتُوا مِنْهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ فَلَمْ يَعْتَدُّوا بِمَا عَرَفُوا مِنْهُمْ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَجُمْلَةُ: قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ خَبَرُ (إِنَّ) . وَالْمَعْنَى: قَالُوا لَهُمْ قَوْلَ تَوْبِيخٍ وَتَهْدِيدٍ بِالْوَعِيدِ وَتَمْهِيدٍ لِدَحْضِ مَعْذِرَتِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، فَقَالُوا لَهُمْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ: قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ مَوْضِعَ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ تَوَفَّاهُمُ، فَإِنَّ تَوَفِّيَ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمُ الْمَحْكِيَّ هُنَا يَشْتَمِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ لَهُمْ فِيمَ كُنْتُمْ.
وَأَمَّا جُمْلَةُ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ فَهِيَ مَفْصُولَةٌ عَنِ الْعَاطِفِ جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُقَاوَلَةِ فِي الْمُحَاوَرَةِ، عَلَى مَا بَيَّنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ: قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً. وَيَكُونُ خَبَرُ (إِنَّ) قَوْلَهُ: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً عَلَى أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ لِكَوْنِ اسْمِ إِنَّ مَوْصُولًا فَإِنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ أَسْمَاءِ الشُّرُوطِ كَثِيرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُهُ.
وَالْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ هُنَا أَوْلَى لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ اسْمِ (إِنَّ) وَخَبَرِهَا بِالْمُقَاوَلَةِ، بِحَيْثُ صَارَ الْخَبَرُ كَالنَّتِيجَةِ لِتِلْكَ الْمُقَاوَلَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا اسْمُ الْإِشَارَةِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: فِيمَ كُنْتُمْ مُسْتَعْمَلٌ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ.
وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ. وَ (مَا) اسْتِفْهَامٌ عَنْ حَالَةٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ (فِي) . وَقَدْ علم الْمَسْئُول أنّ الْحَالة الْمَسْئُولُونَ أَنَّ الْحَالَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا حَالَةُ بَقَائِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ عَدَمِ الْهِجْرَةِ. فَقَالُوا مُعْتَذِرِينَ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 175
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست