responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 134
آنِفًا- يَجْعَلُ الْآيَةَ صَالِحَةً لِلِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ تَقْرِيبِيٌّ لِأَنَّ أُصُولَ الدِّينِ لَا يُسْتَدَلُّ فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ كَالْعُمُومِ.
وَجِيءَ فِي حِكَايَةِ قَوْلِهِمْ: يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ بِكَلِمَةٍ (عِنْدَ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُوَّةِ نِسْبَةِ الْحَسَنَةِ إِلَى اللَّهِ وَنِسْبَةِ السَّيِّئَةِ لِلنَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْ قَالُوا مَا يُفِيدُ جَزْمَهُمْ بِذَلِكَ الِانْتِسَابِ.
وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ قَالَ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُشَاكَلَةً لِقَوْلِهِمْ، وَإِعْرَابًا عَنِ التَّقْدِيرِ الْأَزَلِيِّ عِنْدَ اللَّهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فَلَمْ يُؤْتَ فِيهِ بِكَلِمَةِ (عِنْدَ) ، إِيمَاءً إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ مَجِيءِ الْحَسَنَةِ مِنَ اللَّهِ وَمَجِيءِ السَّيِّئَةِ مِنْ نَفْسِ الْمُخَاطَبِ، ابْتِدَاءُ الْمُتَسَبِّبِ لِسَبَبِ الْفِعْلِ، وَلَيْسَ ابْتِدَاءَ الْمُؤَثِّرِ فِي الْأَثَرِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِمْ: السَّيِّئَةُ مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ، أَيْ أَنَّكَ بُعِثْتَ مُبَلِّغًا شَرِيعَةً وَهَادِيًا، وَلَسْتَ مُؤَثِّرًا فِي الْحَوَادِثِ وَلَا تَدُلُّ مُقَارَنَةُ الْحَوَادِثِ الْمُؤْلِمَةِ عَلَى عَدَمِ صِدْقِ الرِّسَالَةِ. فَمَعْنَى أَرْسَلْناكَ بَعَثْنَاكَ كَقَوْلِهِ وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ [الْحجر:
22] وَنَحْوِهِ. ولِلنَّاسِ مُتَعَلِّقٌ بِ أَرْسَلْناكَ. وَقَوْلُهُ رَسُولًا حَالٌ مِنْ أَرْسَلْناكَ، وَالْمُرَادُ بِالرَّسُولِ هُنَا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ: وَهُوَ النَّبِيءُ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ لفظ لقيي دَالٌّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اسْمَ الْمَفْعُولِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَلِهَذَا حَسُنَ مَجِيئُهُ حَالًا مُقَيِّدَةً لِ «أَرْسَلْنَاكَ» ، لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ، أَيْ بَعَثْنَاكَ مُبَلِّغًا لَا مُؤَثِّرًا فِي الْحَوَادِثِ، وَلَا أَمَارَةً عَلَى وُقُوعِ الْحَوَادِثِ السَّيِّئَةِ. وَبِهَذَا يَزُولُ إِشْكَالُ مَجِيءِ هَذِهِ الْحَالِ غَيْرَ مُفِيدَةٍ إِلَّا التَّأْكِيدَ، حَتَّى احْتَاجُوا إِلَى جَعْلِ الْمَجْرُورِ مُتَعَلِّقًا بِ رَسُولًا، وَأَنَّهُ قُدِّمَ عَلَيْهِ دَلَالَةً عَلَى الْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ الْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ التَّعْرِيفِ، كَمَا فِي «الْكَشَّافِ» ، أَيْ لِجَمِيعِ النَّاسِ لَا لِبَعْضِهِمْ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمَقَامُ هَذَا الْحصْر.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 134
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست